تساءل الأستاذ عثمان الخويطر في مقاله المنشور يوم الأحد 27 \ 1 \ 1432 في جريدة الاقتصادية العدد 6292 بعنوان: هل الدخل النفطي جزء من الناتج القومي؟
الجواب باختصار: لا. لماذا لا ؟ سأوضح الجواب ادناه بعد ان اوضح مدى الخطأ الذي يرتكبه بعض الاقتصاديين لدينا - عن غير قصد - لتسرعهم في الجواب على بعض الأسئلة الذكية التي يسألها بعض الكتاب غير المتخصصين في الاقتصاد.
الدكتوران الذكير والسقا اجابوه بنعم لأنهما فهموا خطأ ان سؤال الخويطر - لاسيما انه قال انه غير متخصص - هو للاستفسار عن كيفية الطريقة المتبعة حاليا في حسابات الناتج القومي للدول البترولية بينما السؤال في حقيقته هو انتقاد منطقي (او بالاحرى طلب تصحيح) للطريقة الحالية التي تتبعها مصالح الاحصاء في حسابات الناتج القومي للدول البترولية.
جواب الدكتورين (الذكير والسقا) كان مستندا على التعريفات التقليدية التي تفتتح بها - عادة - كتب مبادئ علم الاقتصاد مقدماتها (غالبا الفصل الأول) بتعريف الناتج القومي انه: "القيمة السوقية لمجموع السلع والخدمات التي يتم انتاجها....الى آخره" (كما قال الدكتور السقا).
الدكتور الذكير في رده اعتبر ان التعريف للناتج القومي الوارد في كتب المبادئ انه اتفاق بين الاقتصاديين في جميع العالم. بينما الحقيقة ان التعريف لو قرأه الذكير بدقة لا ينطبق على الموارد الناضبة. كذلك توجد بحوث كثيرة في الدوريات تقترح تصحيح طريقة قياس الموارد الناضبة في حسابات الناتج القومي ولكن يبدو ان الاكاديميين لدينا لايتابعون الدوريات ويكتفون بكتب المبتدئين.
من حسن حظ الذكير انه لم يدخل في التفاصيل ولذا لم تكن كبوته بمقدار كبوة الدكتور السقا وانما اكتفى بقوله "مسألة فنية استقر عليها العرف الاقتصادي بين الاقتصاديين في جميع انحاء العالم". اي استند في حجتة على طريقة اننا نتّبع ماوجدنا عليه ابائنا.
لكن لسوء حظ الدكتور الفاضل السقا - كان اكثر جرأة من الذكير - فدخل في بعض التفاصيل فقال بالنص الحرفي: "النفط الخام يعد ايضا من اجمالي القيمة المضافة وهي الفرق بين قيمة النفط في باطن الارض قبل ان يستخرج (صفر) وقيمته على سطح الارض"
لاحظوا ان الدكتور السقا وضع كلمة صفر بين قوسين للتأكيد على ان قيمة البترول تحت الارض صفر (وهذه انا اعتبرها كبوة حصان اصيل) لأنه لا يوجد - على حد علمي - اي عالم (او كتاب) في الاقتصاد يقول ان قيمة البترول تحت الارض صفر لأن البترول ثروة (كنز او ذهب اسود) مخزون في مخازن طبيعية آمنة منذ ملايين السنين أكثر امانا من مخزون الذهب الأصفر الذي تحتفظ به البنوك المركزية في سراديب جنوب مانهاتن تحت الأرض.
قيمة البترول تحت الارض (وفقا لنظرية الموارد الناضبة) هي التي تحدد هل الأفضل الاحتفاظ بالبترول تحت الأرض او استخراجه من تحتها. فإذا كانت قيمة البترول تحت الأرض تنمو بسرعة اكبر من العائد من استثمار ايرادات البترول فإنه من الأفضل تركه تحت الأرض حتى تتعاظم الثروة Capital gains. اما اذا كان استخراج البترول واستثمار ايراداته في تحقيق تنمية مستدامة تدر معدل دخل اكبر من معدل زيادة قيمة البترول تحت الارض فمن الأفضل استخراجه واستثمار ايراداته للحصول على دخل دايم يعوض عن نضوب البترول. هذه النظرية لا اعتقد ان اي خبير في اقتصاديات البترول لا يعرفها.
لقد سبق ان حاولت بناء ايكونوميترك موديل للاقتصاد السعودي واستخدمت ضمن معادلاته معادلة تصحيح Adjusting لقياس الناتج القومي الصافي NNP بعد خصم قيمة البترول تحت الأرض (باعتبارها استهلاكاً للثروة User cost) من قيمة الناتج القومي الذي تنشره مصلحة الأحصاء فوجدت ان القيمة المضافة Value added (بعد خصم قيمة البترول تحت الأرض) من استخراج البترول لا تتجاوز ال: 10 % من القيمة الإجمالية التي تحسبها مصلحة الاحصاء لمقدار الناتج القومي للمملكة.
انا لن أضع المعادلة هنا ولكن سأعطي مثالاً مبسطاً يوضح للقارئ مقدار قيمة البترول تحت الأرض التي يجب عدم احتسابها ضمن الناتج القومي :
نفترض ان رجلا يملك حقل بترول فيه مليون برميل وان تكلفة استخراج ونقل البرميل من تحت الارض الى السوق عشرة دولارات وان سعر بيعه في السوق مائة دولار. فقرر الرجل ان يبيع البترول وهو تحت الارض فطرحه في المزاد العلني فاشتراه مستثمر بسبعين دولاراً للبرميل تحت الأرض ليكسب ربحا صافيا قدره عشرون دولارا في البرميل. في هذه الحالة تكون السبعين دولارا بالنسبة لمالك البترول تسييل ثروة (لاتضاف للناتج القومي) والثلاثين دولار (الفرق بين قيمة البترول تحت الارض وسعر البيع في السوق) هي فقط الأضافة Value added للناتج القومي.
بالمناسبة لقد سبق في العددين 14740 و 14747 (الرياض الاقتصادي) أن كتبت عمودين متتالين احدهما بعنوان: الفرق بين الدخل وتسييل الثروة". والعمود الاخير بعنوان: "مبيعات البترول والمعادن ليست ناتجا قوميا". يمكن للدكتورين الرجوع اليهما للتعرف على الفرق بين الناتج والثروة.
ارجو ان لا يأخذ الدكتوران الفاضلان كلامي على انه انتقاص لمكانتهما العلمية (لاسيما ان تبرعهما بوقتهما الثمين للإجابة على اسئلة الكتاب غير المتخصصين يدل على اهتمامهما بنشر المعرفة) وأن يعتبرا تصحيحي لخطأهما هو من باب ان الاختلاف في الرأي - خاصة في المواضيع العلمية - لا يفسد للود قضية بل يوثق التواصل وتبادل الآراء بين المتخصصين.
الفرق يا دكتورنا العزيز ليس في الجدال حول مقدار الثروة أو الناتج الوطني. إنما الفرق هو في الإستفادة والحكمة في انفاق هذه الثروة ! هل الدول الخليجية (حكيمة) في انفاقاتها ؟ هل تنفق القيمة الحقيقية للمشاريع؟ أم أنها تبعثر ثروتها وناتجها القومي؟
أنها تبعثر ثروتها وناتجها القومي بلا رقيب. هل تعلم ان الولايات المتحدة الامريكية لاينقبون عن البترول وهم يعلمون كل العلم انه موجود عندهم وذلك من اجل استخدام البترول الخارجى مادام موجود! وهل تعلم انهم حدادو مقاس تدفق الماء بلصمامات المنزلية من اجل الحفاظ على الثروة المائية وهم يملكون اكبر البحيرات فى العالم واعرض النهار!ونحن!!! بدون تعليق!!!
نصف ، ونصف !!!!! فهو مصدر لمعظم العوائد للبلد من جهة ، ولكن معظم هذه العوائد ليست مستثمرة في البلد من جهة أخرى
والله اني اتالم ومنذ زمن بعيد كلما سمعت ان المملكه تزيد انتاجها من البترول ولكن بيني وبين نفسي حتى لا اتهم بالجهل
د . انور ابو العلا وفقك الله كلامك درر يعلو كثيرا عن كلام ملك الترجمة والاستجرار
أخواني الكرام: في عالمِ الأموال، لا يجوز جمعُ التدفعات النقدية للأعوام المستقبلية دون إستعمال سعر الخصم لإيجاد القيمة الحالية لتلك التدففات ثم تجميعها بالرغم من حصولها في أزمان مختلفة!!.. وسعر الخصم يقارب الصفر للمبالغ التي يتم تدفقها بعد 20 سنة فأكثر!!.. ولذلك معظم التحليلات لا تنظرٌ للتدفقات المالية بعد 20 سنة وإنما تضغُ لها قيمة واحدة مضروبة بعامل الخصم لـ 20 سنة !!!... السؤال: هل عمر البترول لدينا أقل من 20سنة أم أكثر؟؟؟!!!!... ربما مثل هذا الحساب تستخدمه الجزائر وعمر إحتياطياتها في حدود 16 سنة ولذلك فيها تعتمدُ على الغاز كثيراً !!!... ولهذا تسمعون كثيراً عن تعارض مواقف دول الأوبك ذات الإحتياطيات قصيرة العمر مع الدول ذات الإحتياطيات كبيرة العمر وإختلافها في تحديد حجم إنتاج الأوبك!!... فكل دولة لها منظورها الزمني للتحليل!!!!!
حتى الشمس مصدر ناضب لأنها تخسر من كتلتها ملايين الأطنان في الثانية فالطاقة الشمسية ليست من الناتج القومي اذا انتجت.
عندما يقتنى شخصاً ما ثروة ولا يعرف قيمتها فلن يقدرها حق قدرها و سيبذرها هنا وهناك على أشياء لها قيمتها سطحية ووقتية ولا تقابل قيمتها الحقيقية لمن يعرف تلك الثروة التى يمكن أن يصنع منها ثروات وثروات ويؤمن منها مستقبل أجيال وأجيال كذلك ، هذا حالنا مع البترول وهذه سبيلنا و طريقتنا مع تلك الثروة منذ عقود و يبدو أنها ستظل كذلك حتى آخر قطرة بترول من آخر بئر نفطى !!
الى الاخ AbuOsamah :امريكا تستخرج ما تستطيع اخراجه من النفط في تكساس والاسكا وخليج المكسيك لحاجتها للطاقة لمتابعة النموالاقتصادي. النفط الذي لا تستطيع اخراجه لغلو تكلفته وليس للمستقبل. الا ترى ان العالم يتجه لايجاد مصادر اخرى للطاقة غير النفط لاسباب سياسية واقتصادية؟ هل تظن ان العالم سيرضى ان يجعل مستقبله بيد مجموعة من الدول كاوبك لمدة طويلة؟
شكراً للدكتور أنور على مقالته العلمية الراقية وأتفق معه في أن نواتج كل الثروات الناضبة من نفط وغاز وفحم وحديد ونحاس هي تحويل للتروة، ولكن مع ذلك فإجابة الدكتور السقا صحيحة في حدود المتعارف عليه في واقع الحال على مستوى العالم. فوفقاً لنظام الحسابات القومية للأمم المتحدة لعام 1968 المعدل بالنظام المعتمد لعام 1993، والذي يجري تطويره منذ سنوات لا يزال إنتاج النفط ناتجاً قومياً بامتياز، ولو قال السقا غير ذلك للقارئ غير المتخصص لاتهمه بالجهل ولكان عليه أن يطالبه بتفسير ما تصدره الدول من بيانات يظهر فيها بوضوح تقسيم الناتج بين قطاع النفط وملحقاته وبين نواتج القطاعات غير النفطية. الخلاصة أن الأمم المتحدة لم تستطع أن تجد بديلاً عن الوضع القائم منذ عشرات السنين، والدول تعتبراستخراج نفطها أو غازها من أهم عمليات الإنتاج فيها. ولا تنسى يا د أنور أن كافة الوحدات الإنتاجية غير الناضبة هي الأخرى ذات آجال محدودة فكل المصانع المنتجة وكل السفن والطائرات التي تقدم خدمات وكل العاملين لهم أعمار تنتهي في يوم من الأيام. ثم إن ناتج النفط يدخل في دورة إنتاجية لتكريره ولا بد أن يسجل على أنه مادة خام لمنتج جديد والباقي يصدر للعالم ويجب بالتالي أن يظهر في بيانات ميزان السلع وفي ميزان المدفوعات وفي حساب الاستهلاك الكلي فكيف سنتعامل مع هذه السلسلة من المكونات إذا لم يكن النفط ناتجاً. ومن هنا فهو ناتج وإن كنت أميل إلى اقتراح حساب القيمة الحالية للمخزون النفطي المخصومة بنسبة معينة باعتبارها أحد الأصول القومية -كما في أصول الصناديق السيادية، وأن يتم حسم جزء سنوي من هذه الأصول من الإنتاج السنوي للنفط.