النفط بين حرب العملات ومصالح المستهلكين

14/12/2010 2
محمد العنقري

أبقت أوبك على مستويات إنتاجها دون تغيير في اجتماعها قبل يومين على الرغم من وصول أسعار النفط لما فوق 90 دولاراً. وقبل الاجتماع كانت العديد من الأوساط الاقتصادية عالمياً تنتظر قرار أوبك وإن كانت تستشعر إبقاء الإنتاج على حاله دون أي زيادة. وحاول مسؤولون أوروبيون استباق الاجتماع بتصريحات هدفها التأثير على قرار أوبك حيث عبروا عن قلقهم بأن أسعار النفط بهذه المستويات وأعلى منها ستؤثر على التعافي الاقتصادي العالمي سعيا منهم لزرع حالة القلق أمام الاقتصاد العالمي ومحاولة استباقية لأي تعثر باقتصاديات دولهم في قادم الأيام لتجهيز شماعة الأعذار من الآن.

ففي المحصلة هم يريدون بعد تبنيهم خطط التقشف أن يقلصوا العجز بالميزان التجاري من خلال تخفيض أسعار النفط بأي وسيلة ممكنة لأنه يقدم لهم فرصة مجانية لتحقيق تخفيض مستويات العجز التي يعانون منها وتسريع خطط إنقاذ اقتصاديات دولهم بتقليص المدد الزمنية التي وضعوها في حساباتهم، فمعروف أن انخفاض أسعار النفط تأثيره يتعدى فقط استهلاك الوقود خصوصا في الموسم الحالي فالشتاء بدا قارساً وبالتالي الطلب على النفط سيرتفع وهذا بدوره يسمح برفع الأسعار.

لكن بالمقابل فإن تلك التصريحات خاب أملها، بإبقاء أوبك على مستوى إنتاجها، لأن المنظمة تنطلق من قواعد السوق الحقيقية فالمخزون العالمي مرتفع وحجم الإنتاج يفوق الطلب وحتى النمو على الطلب بالعام القادم ليس بالمستوى الكبير وهذا ما يجعل المنظمة تقرأ السوق من باب كم الإنتاج والاستهلاك والقدرة على تزويد السوق باحتياجاته نظراً لوجود طاقة إنتاجية فائضة كبيرة؛ فالسعودية تمتلك أكثر من أربعة ملايين برميل كطاقة فائضة جهزتها من خلال مشاريع تكلفت عشرات المليارات لكي تستمر بدورها الفاعل في استقرار أسعار النفط ودعم الاقتصاد العالمي وهذا ما حصل فعلا خلال العامين الماضيين حيث استقرت الأسعار ضمن منطقة 70 إلى 80 دولارا وهي الأسعار التي تقبلها المستهلكون قبل المنتجين واعتبرت غير مؤثرة على تعافي الاقتصاد العالمي.

لكن إذا عدنا إلى تلميحات الأوربيين فإن ما يجب أن ننظر إليه حيال أسعار النفط هو حقيقة وضع العملات وعلى رأسها الدولار، فالحرب غير المعلنة بساحة العملات هي السبب بعدم استقرار أسعار كل السلع فكما ارتفع النفط سبقه الذهب والفضة والمواد الغذائية والصناعية.

وإذا كان الغرب وخصوصا منطقة اليورو يحاربون أسعار النفط المرتفعة فإن المسؤولية تقع عليهم قبل غيرهم فالأزمة التي يعالجونها حاليا ويطلبون من الجميع التعاون على حلها هي من صنعهم وما لحق من ضرر اقتصادي بالاقتصاد العالمي هي بسببهم ومن صنع أيديهم وليس بسبب النفط ولا من الدول المنتجة فحقيقة ارتفاع الأسعار آتية من المضاربات التي تقوم بها صناديق الاستثمار حول العالم والظروف التي تؤثر بأسعار النفط، كالمشاكل الجيوسياسية التي تحدث بشكل دائم حول العالم كالأزمة التي وقعت بين الكوريتين أو بعض الهجمات على أنابيب النفط بدول منتجة بالقارة الإفريقية وطبيعة المواسم التي يرتفع بها الإنتاج وغيرها العديد من الأسباب التي لا علاقة لدول أوبك بها.

كما أن انتهاج مبدأ وعاء القيمة لدى مديري الاستثمار هو ما أشعل فتيل رفع أسعار السلع والأسواق المالية بشكل أساسي ورئيس فإذا ما أردنا تفنيد الأسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار فإن جلها تأتي من خلال المستهلكين بالدرجة الأولى وليس من المنتجين الذين يعانون الآن من تقلبات أسعار الصرف وتأثيرها على خططهم الإنفاقية بميزانياتهم وكذلك مستوى التضخم الذي يعانون منه وما يحدث بأسعار النفط ما هو إلا انعكاس لواقع الاقتصاد العالمي الذي يعاني من اختلالات كبيرة منبعها الدول الغربية، فالأزمات المتلاحقة تظهر كل يوم بجديد ونقص الشفافية بأوضاع الديون السيادية الأوروبية فاجأ العالم بأسره.

إن استقرار أسعار النفط ليس بالمسألة السهلة ولولا تظافر جهود أوبك وعلى رأسهم السعودية لما استقرت طوال هذا الوقت الطويل الذي فاق العامين ومحاولات الغرب بحل مشاكلهم الاقتصادية على حساب دول العالم الأخرى ما هو إلا استمرار للنظرة القديمة بتفوقهم الذي يعتقدون بأنه يعطيهم الحق دائماً بأن يحصلوا على ما يريدون ولو كان على حساب غيرهم فمشكلة العالم الاقتصادية اليوم حلها يقع في الضفة الغربية من العالم والنفط ليس بالسلعة التي يجب أن يكون قياس أسعارها وفق مصالح طرف واحد فقط.