صدرت يوم الثلاثاء الماضي الأرقام القياسية الشهرية لأسعار المستهلك عن شهر أكتوبر وتبين منها استمرار التراجع في الرقم العام للأسعار –أو ما يُعرف بمؤشر الاستهلاك العائلي-وإن بشكل محدود عما كان عليه الحال في أكتوبر 2009، وبما يعني أن معدل التضخم كان لا يزال سالباً وبمعدل -0.76%. الجدير بالذكر أن المعدل كان حتى منتصف العام سالباً بما يزيد عن -3% ولكن الموقف بدأ يتغير منذ ذلك الوقت نتيجة لعاملين أولهما عودة أسعار جميع مجموعات السلع والخدمات إلى الارتفاع بدرجات متفاوتة من ناحية ، وثانيهما بسبب تباطؤ الانخفاض في الرقم الخاص بمجموعة الإيجار والطاقة من ناحية أخرى. وقد تنبأت في مقالات سابقة أن يتحول معدل التضخم إلى موجب في أحد شهور الربع الرابع من العام، وهو ما لم يحدث حتى الآن وإن كان من الممكن حدوثه جداً في شهر نوفمبر أو شهر ديسمبر على أبعد تقدير، وذلك للأسباب التي سنشرحها تالياً.
والملاحظ أن أسعار السلع والخدمات المتفرقة ارتفعت في سنة كاملة منذ أكتوبر 2009 بما نسبته 5.51%، ويمكن أن يُعزى ذلك أساساً إلى انخفاض سعر صرف الريال أمام السلع المستوردة بعملات غير الدولار كالين، أو اليورو أو الفرنك السويسري. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات في نفس الفترة بما نسبته 5.08%، وهذا الأمر يكاد تشعر به جميع الطبقات الاجتماعية وبخاصة ارتفاع أسعار اللحوم والخضروات والفاكهة وارتفاع أسعار المشروبات الغازية. كما ارتفعت بنسب أقل أسعار المجموعات الأخرى ومنها خدمات العناية الطبية بنسبة 2.86%، وخدمات النقل والمواصلات بنسبة 2.48%، فخدمات التسلية والترفيه، بنسبة 2.30%، فأسعار الملابس والأحذية بنسبة 1.78%. وفي حين كان الارتفاع في أسعار الأثاث والمنسوجات بنسبة 0.31% فقط، فإن أسعار الإيجارات قد واصلت انخفاضها وبنسبة 9.07% وهو ما أثر على الرقم العام وجعله ينخفض بنسبة 0.76% على نحو ما أشرت إليه أعلاه.
وفي الوقت الذي قد يظل فيه معدل التضخم سالباً في شهر نوفمبر وبنسبة تقل عن نصف بالمائة ، فإن المعدل سيرتفع بالتأكيد في شهر ديسمبر ويتحول إلى موجب نتيجة دخول عامل المونديال في التأثير على أسعار السلع والخدمات وبخاصة أسعار الأراضي، وإلى حد ما الإيجارات. وفي حين من المتفق عليه أن تحول معدل التضخم إلى رقم موجب في حدود 2 إلى3% هو أمر محمود من الناحية الاقتصادية، إلا أن خروجه عن السيطرة وارتفاعه فوق 5% هو أمر خطر ومذموم العواقب. ومن هنا يقع على عاتق الجهات الحكومية التنبه لهذا الأمر والعمل على تدارك حدوثه بكل الوسائل والسبل الممكنة. وفي حين أن ضبط أسعار السلع والخدمات أمر ممكن وقابل للرقابة والسيطرة من خلال الأجهزة التابعة لوزارة الأعمال والتجارة، فإن موضوع الإيجارات يظل هو نقطة الضعف التي قد يتسلل منها معدل التضخم من جديد بالقياس إلى أن قانون الإيجارات قد انتهت صلاحيته، ولم يجدد في الفترة التي تراجعت فيها الإيجارات بعض الشيء. صحيح أن وجود فائض في المعروض حتى هذه اللحظة، قد يحول دون تفاقم المشكلة في الأجل القصير، ولكن عودة الانتعاش والطلب على الوظائف في كافة القطاعات قد يؤدي إلى اختفاء فائض المعروض، وخاصة لو نشطت البنوك في موضوع التمويل العقاري مجدداً.
ويلاحظ أن جهاز الإحصاء قد درج مؤخراً على نشر التغير في الرقم القياسي للأسعار بعد استبعاد مكون الإيجار والطاقة وذلك لبيان وجود تغير في أسعار السلع والخدمات الأخرى باستثناء القطاع العقاري. وهذا أمر جيد وله دلالته في بيان وشرح أسباب الارتفاع في معدل التضخم. على أن لي وقفة صغيرة مع ما ورد في بيان الجهاز حول هذه النقطة، حيث ذكر التقرير ما يلي: "وبحساب الرقم القياسي لأسعار المستهلك بعد استبعاد تأثير الإيجار فإنه يلاحظ انخفاض نسبة الزيادة التضخم في الرقم القياسي في أكتوبر 2010 عن مقابله في أكتوبر 2009 بحوالي ((%2.98 ، وبنسبة 4.05% في سبتمبر 2010 مقارنة بنفس الفترة في 2009".
هذه العبارة –في مفهومي – تبدو غير واضحة للكثيرين ، فالرقم القياسي العام بعد استبعاد مكون الإيجار والطاقة منه قد بلغ 109.17 نقطة في سبتمبر 2009، وارتفع في أكتوبر من نفس السنة إلى 110.54 نقطة، ثم ارتفع إلى 113.59 نقطة في سبتمبر 2010، وإلى 113.83 نقطة في أكتوبر 2010. وبذلك يكون معدل التضخم بدون الإيجارات-الذي هو التغير في الرقم القياسي- قد بلغ مستوى 4.05%في سبتمبر الماضي، ولكنه انخفض إلى 2.98% في شهر أكتوبر على معدل سنوي. ويلاحظ أن الرقمين موجبان من ناحية، ولكن المعدل انخفض في أكتوبر مع بقائه موجباً.
الله يعطيك العافية