لكل مجتهد أجر وأجران إذا أصاب (هيئة الاستثمار كمثال)

04/12/2010 4
د. أنور أبو العلا

الذي يشفع للهيئة العامة للاستثمار هو ان لها يد واحدة واليد الواحدة لا تستطيع التصفيق. لقد نجحت هيئة الاستثمار - الى حد ما - في توصيل الحصان الى النهر ولكنها عجزت أن تجعله يشرب الماء (هذا مثل تقليدي يقوله الاقتصاديون عندما تعجز السياسات الاقتصادية في تحقيق أهدافها).

كي نجعل الحصان يشرب الماء (أي تحقيق أهداف سياساتناالاقتصادية) لابد من تصفية ماء النهر (كما صفينا بحيرة مسك جدّة) من العكر. لا يمكن لجهة واحدة - مهما كانت مخلصة - أن تنجح في أداء المهمّة الموكلة اليها اذا كانت بقية الجهات الأخرى - رغم أنها قد تكون مخلصة أيضا - تسير في اتجاهات معاكسة لعدم وجود تنسيق (أو عدم وجود تخطيط) متكامل بينها.

نعم نحن لدينا وزارة تخطيط ويقال إن لدى وزارة التخطيط خطة مركزيّة لها أهداف تنموية طموحة ولكن للأسف ينطبق على خطة وزارة تخطيطنا قول المثل: "تسمع بالمعيدي خيرا من أن تراه". فقد عوّدتنا وزارة التخطيط على اصدار وعود - كوعود عرقوب - لا نراها على أرض الواقع.

آخر وعود وانجازات وزارة التخطيط هو اصدارها بيان (جريدة عكاظ العدد 3428 الجمعة 5 نوفمبر 2010 عن واس ورويترز) تدّعي فيه وزارة التخطيط ان حصول المملكة على الترتيب الحادي عشر من بين 183 دولة في العالم هو ترجمة عملية لخطط التنمية المتعاقبة ولاسيما الخطة التاسعة التي تولي تشجيع الاستثمارات أهميّة لمواصلة النمو الاقتصادي.

اذن الفضل في تحقيق انجاز مايسمى 11 في 10 (أي الحصول على الترتيب الحادي عشر في عام 2010) يعود بالشراكة مع وزارة التخطيط (على حد تعبير بيان الوزارة) وليس فقط لهيئة الاستثمار.

الواجب على وزارة التخطيط عندما صفّقت للترتيب الحادي عشر - حتى نصفّق معها - أن توضّح لنا ماهو العائد (أو جدوى) هذا الترتيب على اقتصادنا الوطني وماهو الدور الذي سيلعبه للوفاء بوعودها لنا في تحقيق أهداف خطّط التنمية التي بدأتها منذ اربعين سنة. هل سيوفّر لنا هذا الترتيب بديلا للدخل ويجعلنا أقل اعتمادا على تسييل ثرواتنا الناضبة؟ وهل سيجعلنا ندرّب ونوظّف أبناء الوطن بدلا من تحويل المملكة الى ورشة لتدريب وتوظيف العاطلين في العالم.

اذا كان الغرض النهائي من انشاء هيئة الاستثمار لوجستيك (تسهيلي) بغض النظر عن تأثير هذا الاستثمار - سواء خيرا او شرا - على اقتصاد البلد فقد أنجزت الهيئة بنجاح المطلوب منها بتحقيقها ماتسميه برنامج 10 في 10 بمجرد وصولها للترتيب الحادي عشر في سهولة ممارسة الأعمال وفقا لتقرير البنك الدولي (الذي ضنّ عليها بالترتيب العاشر ليجعله طعما - كمسمار جحا - للأعوام القادمة).

أما اذا كان الغرض من انشاء الهيئة هو تحقيق تنمية مستدامة للبلد فينبغي للهيئة ان تنتقل الآن لمرحلة التصحيح وجني ثمار جهودها بتبنيها برامج - على سبيل المثال - برنامج تسميه: 20 في 20 يهدف الى خفض العمالة الأجنبية في تراخيصها للاستثمار الى 20 % بحلول عام 2020 فتنال عن جدارة الترتيب الأول حتى لو حققت 30 % في قلوب أبناء البلد.

لا احد يشكّك في اخلاص هيئة الاستثمار واجتهادها لكن الذي أثار الناس المخلصين ( بغض النظر عن دوافع بعض المغرضين) ضد الهيئة هو المبالغة في الانجازات واعطاء تقرير سهولة الاعمال اكثر مما يعنيه فلو أن هيئة الاستثمار لم تبالغ وقالت بشفافية وتواضع أنها استطاعت أن تزيل العقبات وهيأت المناخ المناسب لتسهيل مزاولة الأعمال (أي نجحت في أن تعبّد الطريق) لكنها حتى الآن لم تستطيع وحدها أن تحقّق الغايات (أي الاستفادة المرجوّة) من هذه الاستثمارات وأنها ستواصل بذل جهودها بالتعاون مع الجهات الأخرى (كما بذلت الجهود لإيجاد الوسائل) من أجل الانتقال الى مرحلة تحقيق الغايات و الاستفادة من هذه الاستثمارات لاختلفت كتابة معظم الذين هاجموها الى الإعجاب.

الخلاصة: لقد نجحت الهيئة (ويبدو أن الفضل لإخلاص وتفاني وحيويّة رئيسها) في توصيل الحصان الى النهر والآن يجب عليها ان تجعله يقبل (بضم الياء) على شرب الماء قبل أن يجف ماء النهر فيموت الحصان من العطش.

* رئيس مركز اقتصاديات البترول " مركز غير هادف للربح"