لا أتّهم هيئة الاستثمار لكن عجزت أن أفهم الإنجازات

20/11/2010 2
د. أنور أبو العلا

خرجنا من عمود الأسبوع الماضي بعجل سمين (أي درس دسم) هو أن ترتيب الدول وفقا لتقرير سهولة ممارسة الأعمال الصادر من البنك الدولي لا يعني - في حد ذاته - بأن الدّولة ذات الترتيب المتقدّم على الدول الأخرى استفادت (أي حقّقت انجازا لاقتصادها) أكثر من الدول التي جاءت بعدها في الترتيب. بل ربما يكون العكس - تماما - هو الصحيح اذا كان هذا الترتيب المتقدّم جاء على حساب تقديم تضحيات كبيرة لا ترضى أن تقدّمها (بل تعتبرها خطوطا حمراء) الدول الأخرى.

لا يوجد تساهلات ترضى أن تقدّمها حكومة من حكومات العالم أكثر من التساهلات التي تقدّمها الجهات المختصّة (التي ائتمنها ولاة الأمر لخدمة الشعب السعودي)

لأصحاب رؤوس الأموال (سواء مواطنين أو أجانب) كالتساهل بالسماح لهم باستقدام - اذا ارادوا - الى حد نسبة 90 % من موظفيهم من خارج المملكة لتوظيفهم (أو بالأحرى ليحتلوا) وظائف هي من حق السعوديين.

هذه التضحية (أي السماح باستقدام 90 % من الموظفين) وحدها تكفي أن تجعل المملكة تحتل المرتبة الأولى وليست الحادية عشرة (وفقا لتقرير البنك الدولي الصّادر قبل فترة وجيزة) في توظيف العاطلين في شتى أنحاء العالم على حساب التضحية بوظائف العاطلين من أبنائها.

قبل أن أستطرد في سرد عجزي عن فهم الانجازات التي حقّقتها هيئة الاستثمار أريد أن أقول إن الغرض من هذه الكتابة ليس تحبيط همم العاملين في الهيئة (أو العاملين في الجهات الأخرى التي جعلت مهمّتها تنحصر في تحقيق ماتسميه ترتيبات متقدّمة) وانما فقط للتحذير من التمادي في الجري وراء الحصول على تقييمات الجهات المختصة - مثل البنك الدولي - من أجل تغطية عجز الجهات المعنيّة عن أداء مهامها (التي أوكلتها قيادتنا الرّشيدة للقيام بها) سواء عن طريق استخدام التقييمات في غير محلها أو عن طريق الحصول على هذه التّقييمات بالتضحية بالمصالح الأساسية للمواطنين.

كثير من المسؤولين لدينا (وكذلك المؤيدون لهم) يقولون - عندما يستشهدون بالأرقام - ان لغة الأرقام لا تكذب. ولكن الحقيقة أن هذا ليس - بالضرورة - صحيح. لماذا؟ لأنه من السهل استخدام الأرقام - حتى لو افترضنا صحّتها - في غير ماتعنيه هذه الأرقام.

على سبيل المثال: تقول الهيئة العامة للاستثمار ان الضرائب التي يدفعها الاستثمارالأجنبي لمصلحة الزكاة هي 7.4 (سبعة وأربعة أعشار) مليار ريال. بينما الزكاة التي يدفعها الاستثمار الوطني لمصلحة الزكاة هي فقط 6.7 (ستة وسبعة أعشار) مليار ريال.

لاحظوا أنه مرّة أخرى - هنا - تستخدم هيئة الاستثمار الأرقام التي تثبت تهرب المستثمر السعودي من تسديد الزكاة المستحقّة شرعا على رأس المال كحجّة لصالح المبالغة في مقدار الضريبة التي يدفعها المستثمر الأجنبي على أرباح رأس المال.

تعالوا نفحص ماذا تعنيه حقيقة هذه الأرقام. الأرقام تقول (وفقا لتصريحات هيئة الاستثمار) أن مقدار الاستثمار الأجنبي التراكمي عام 2009 (وفقا لتصريح الهيئة) يبلغ 552 (خمسمائة واثنين وخمسين) مليار ريال وبلغت الضرائب التي يدفعها 7.4 (سبعة وأربعة أعشار) مليار ريال.

من الواضح أنّه لو طبّقنا نسبة الزكاة (أي 2.5 %) على رأس المال الأجنبي البالغ 552 (خمسمائة واثنين وخمسين) مليار ريال فإن مقدار المستحق لمصلحة الزكاة هو 14 (أربعة عشر) مليار ريال أي ضعف مايدفعه المسثمرون الأجانب الآن من ضرائب على أرباحهم.

بعبارة أخرى انه يوجد احتمالان. أحدهما أن المستثمرين الأجانب يقتدون بالمستثمرين السعوديين في التهرب من دفع مايجب عليهم أن يدفعونه من ضرائب لمصلحة الزكاة. والاحتمال الثاني أن نظام الضريبة المتبع في المملكة يعطي المستثمر الأجنبي ميزة تجعله يدفع معدل ضريبة أقل ممّا تفرضه الزكاة على المستثمر الوطني.

نكتفي في عمود اليوم ببيان أن تهرب (أو تحايل) المستثمر الوطني من دفع الزكاة الشرعية كاملة لا يبرّر للهيئة أن تبالغ في حجم ما يدفعه المستثمر الأجنبي من الضرائب.

ختاما اختم هذا العمود بما ختمت به عمود الأسبوع الماضي بأنّنا لا نستطيع أن نلقي بكل اللوم على هيئة الاستثمار وحدها فهي لا تعدو أن تكون عود من طرف حزمة ومن حق لسان حالها أن يقول: وما أنا الا من غزيّة ان غزت * غزوت وان ترشد غزيّة أرشد.

في عمود الأسبوع القادم - ان شاء الله - سنناقش على خفيف الخفيف بقية ماتسميه الهيئة انجازات كالصادرات، والمشتريات، والمبيعات.

* رئيس مركز اقتصاديات البترول " مركز غير هادف للربح"