نشرت "الهيرالد تريبيون" مؤخرا هذا الكارتون المعبر عن سياسات التيسير الكمي التي أعلن عنها الاحتياطي الفدرالي مؤخرا. إذا قمنا بتعريب الكارتون فسنجد أنه يشير إلى أحد الأشخاص يقف أمام احد ماكينات السحب الآلي ليقوم بسحب الدولارات من الاحتياطي الفدرالي، ثم تظهر على شاشة ماكينة السحب رسالة إلى الشخص الذي يسحب ترجمتها ("فضلا يرجى الانتظار، إن دولاراتك في طور الطبع الآن"). مضمون الكارتون هو قيام الاحتياطي الفدرالي باصدار كميات هائلة من الدولار ونثرها عبر أنحاء البلاد.
الكارتون يوحي أيضا بأن الاحتياطي الفدرالي مشغول ليل نهار بطباعة الدولار الدولار، وأن ماكينات طباعة الدولار تعمل على قدم وساق الى الدرجة التي تتدفق فيها الدولارات من ماكينات الطباعة إلى ماكينات السحب الآلي مباشرة.
الأمور بالطبع لا تسير على هذا النحو الذي يصفه الرسم الكارتوني، فكما سبق أن ذكرت في مقالي "ماذا سيحدث للعالم نتيجة خطة التيسير الكمي"، أن الخطة ربما لن يترتب عليها طباعة أي دولارات جديدة في صورتها المادية، وإنما ستتم العملية أساسا بصورة الكترونية، حيث سيقوم الاحتياطي الفدرالي بزيادة الأساس النقدي بالأرصدة التي يقوم بتحويلها إلى المؤسسات المالية التي سيقوم بشراء السندات منها في صورة احتياطيات، حتى يتم سحبها من جانب هذه المؤسسات لاستخدامها بالصورة التي تفضلها تلك المؤسسات. غير أن الرسم يعبر تعبيرا مثيرا عن الوضع الحالي لعمليات اصدار المزيد من الاساس النقدي في الولايات المتحدة.
ربما يجر التعليق على هذا الشكل الى إثارة التساؤل التالي: "ما هي الخيارات المتاحة أمام المؤسسات المالية للتعامل مع هذه الاحتياطيات النقدية التي سيقوم الاحتياطي الفدرالي بخلقها؟" الحقيقة أن هناك ثلاثة خيارات على الأقل أمام المؤسسات المالية للتعامل مع هذه الاحتياطيات وهي:
1- الخيار الأول: الاحتفاظ بهذه الاحتياطيات في صورة سائلة. أي في صورة احتياطيات زائدة لدى البنوك Excess Reserves، حيث يعد إقبال البنوك على مثل هذا الخيار سلوكا طبيعيا للمؤسسات المالية نظرا لوقوع الاقتصاد الامريكي في ظاهرة مصيدة السيولة Liquidity Trap التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي حاليا. مصيدة السيولة هي الظاهرة التي تصاحب انخفاض معدلات الفائدة إلى مستويات دنيا في الوقت الذي تنتشر فيه التوقعات التشاؤمية حول اتجاهات النشاط الاقتصادي في المستقبل فتتكون مصيدة ضخمة للسيولة في الاقتصاد، وعلى الرغم من انخفاض معدلات الفائدة إلا أن الائتمان يكون محدودا جدا، نظرا لعدم اقبال المؤسسات المالية على الإقراض بسبب ارتفاع مستويات المخاطر المصاحبة لعمليات الإقراض، فضلا عن ضعف إقبال قطاع الأعمال على الاقتراض بسبب التوقعات التشاؤمية، ولذلك فإن أي زيادة تحدث في السيولة لا يتم ضخها في جسد الاقتصاد، وانما تذهب بدلا من ذلك الى مصيدة السيولة لتظل هناك بشكل سائل حتى تتحسن الاوضاع الاقتصادية لاحقا.
معنى ذلك ان مصيدة السيولة تمثل خطرا شديدا على الاقتصاديات التي تصاب بها، لانها تعني تعطل عمل سوق المال وفقدان المؤسسات المالية للوظائف التقليدية التي تقوم بها في اعادة توجيه الائتمان نحو فرص الاستثمار المنتج، وأنه طالما ان ظاهرة مصيدة السيولة منتشرة، فإن الاقتصاد يغرق في مصيدة الانكماش لضعف الاستثمار.
2- الخيار الثاني: الاحتفاظ بهذه الاحتياطيات لدى الاحتياطي الفدرالي، في صورة مودعات، والاكتفاء بتحصيل الفائدة على هذه المودعات، وهو خيار متاح حاليا أمام البنوك الأمريكية. الجدير بالذكر أن القانون الامريكي يحرم على الاحتياطي الفدرالي ان يقوم بمنح فوائد على مودعات البنوك لديه. غير انه عندما اندلعت الأزمة المالية الحالية استصدر الاحتياطي الفدرالي قانونا من الكونجرس يسمح له بمنح فائدة على المودعات التي تقوم بها البنوك لديه. وينظر بن برنانكي إلى هذه الأداة كأحد الأدوات التي يمكن استخدامها لاحقا لامتصاص السيولة في البنوك والحد من الضغوط التضخمية بعد انتهاء الأزمة، أي من خلال قيام الاحتياطي الفدرالي بفرض معدلات فائدة على هذه المودعات أعلى من معدل الفائدة بين البنوك Federal funds rate، بحيث تفضل المؤسسات المالية ايداع احتياطياتها الزائدة لدى الاحتياطي الفدرالي بدلا من ان تقوم باقراضها ومن ثم زيادة السيولة ورفع معدلات التضخم. عندما يقوم الاحتياطي الفدرالي باستقطاب احتياطيات البنوك من خلال هذه الأداة فإن قروض ما بين البنوك تنخفض، وتنخفض قروض البنوك الى قطاعات الاقتصاد، ومن ثم ينخفض عرض النقود.
3- الخيار الثالث: استخدام هذه الاحتياطيات في منح المزيد من القروض، سواء للقطاع العائلي، أو قطاع الأعمال الخاص، بحيث يؤدي ذلك الى تنشيط طلب القطاع العائلي الخاص الاستهلاكي، وطلب قطاع الاعمال الخاص الاستثماري، ومن ثم زيادة الطلب الكلي وارتفاع معدلات النمو وخلق وظائف اضافية تقلل من الضغوط الحالية على سوق العمل الامريكي، ولا شك أن هذا هو الخيار الأمثل من وجهة نظر الاحتياطي الفدرالي، والذي من أجله يقوم بتنفيذ هذه الإستراتيجية.
حتى الآن، وأخذا في الاعتبار الأوضاع الحالية للاقتصاد الأمريكي، فان احتمالات تحقق هذا الخيار الأخير تعد محدودة نسبيا.
نعود إلى الرسم الكارتوني إنه بالفعل تعبير عن الفوضى الحالية في عملية ضخ السيولة في الاقتصادين الأمريكي والعالمي، ليتعرض الاقتصاد الدولي لمخاطر عديدة أقلها ارتفاع معدل التضخم.
الدكتور محمد السقا استخدام كلمة طباعة على سبيل المجاز وليس الحقيقة كما هو شائع في اللغة العربية. تحياتي
"فضلا يرجى الإنتظار ريالاتك في طور الطبع الآن " لأن الريال "مربوك" بالدولار.
ماذا عن الخيار الرابع وهل يمكن ان نسميه كذللك يا دكتور واللي اهو تللك الدولارات ستذهب الى الدول الناشئة بسبب الفائدة الاعلى من الدولار مما ينتج ازمة التضخم في سعر العملة وتضخم اسعار الاصول مما يؤدي الى خلق فقاعات في هذه الاقتصاديات وتراكم الدولارات في الاحتياطيات السياديه
لكن أليس طبع هذه المليارات, هو لكي يتوهم المستهلك ان لديه ثروة, ومن ثم ينفق اكثر, ويوظف اكثر....الخ