تجاوز اليوم سعر الذهب حاجزا تاريخيا جديدا حيث اخترق سعر الأوقية من الذهب جاجز الـ 1400 دولارا لأول مرة في التاريخ. ارتفاع سعر الذهب هو جزء من موجة ارتفاع للأصول التي أعقبت الإعلان عن خطة التيسير الكمي الجديدة التي يتبناها الاحتياطي الفدرالي حتى نهاية منتصف العام القادم، والتي أثارت موجة تشاؤمية حول مستقبل معدلات التضخم في الولايات المتحدة والعالم، فضلا عن الآثار الأخرى المحتملة للخطة. الشكل التالي يوضح اجتياز حاجز الـ 1407 دولارا لأوقية الذهب اليوم الاثنين 8/11/2020، الساعة الخامسة بتوقيت جرينتش.
خطة التحفيز الكمي الجديدة تقضي بإضافة 600 مليار دولار إلى ميزانية الاحتياطي الفدرالي، حتى نهاية منتصف العام القادم، وذلك من خلال قيام الاحتياطي الفدرالي بشراء سندات بمعدل 75 مليار دولارا شهريا، اضافة الى 35 مليار دولارا اعادة استثمار، مما يرفع المشتريات الشهرية للاحتياطي الفدرالي الى 110 مليار دولارا. الخطة الضخمة أحدثت صدمة في الأسواق عبر كافة دول العالم، حيث ارتفعت أسعار الأصول بصورة حادة، فقد ارتفعت أسعار الأسهم، بصفة خاصة في الأسواق الناشئة، وكذلك ارتفعت أسعار النفط ليتجاوز 87 دولارا للبرميل حتى أمس قبل أن يهبط قليلا اليوم. آثار الخطة امتدت أيضا إلى أسعار السلعة التجارية الدولية الأخرى، بما في ذلك الحبوب الغذائية.
على الجانب الاخر من الاطلنطي فإن معدلات العائد على سندات الدين السيادي لأيرلندا، قد قفزت إلى مستويات كبيرة لتعكس تزايد شكوك الاسواق في مدى سلامة الدين السيادي لأيرلندا، وهو ما يشير إلى ان الدين الايرلندي قد أصبح في غاية الخطورة، وانه ربما يشهد المستقبل القريب أزمة ديون سيادية جديدة في أوروبا، لتضيف مزيدا من الوقود إلى المخاطر المحيطة بالأصول المالية، وبصفة خاصة يهدد اليورو. في ظل هذه الظروف يصبح الذهب هو البديل الأمثل للاستثمار للمضاربين.
القفزة الجديدة في اسعار الذهب أدت الى تغذية التوقعات السعرية لدى المضاربين والذين اصبح بعظهم يتحدث عن تكهنات بأن يتجاوز الذهب حاجز الـ 1500 دولارا بنهاية العام لتزداد بالتالي القيمة الرأسمالية لأصول صناديق المعدن ومن ثم الحافز على المزيد من المضاربة عليه. في ظل الأوضاع الاقتصادية عالية الخطورة حاليا، وظروف عدم التأكد المحيطة بالاقتصاد العالمي لن استغرب عندما يصل الذهب إلى هذا الحاجز الجديد. لكن ذلك لا يعني أن الذهب أصبح أكثر أمانا عما سبق، بالعكس هذه المستويات المرتفعة جدا للذهب ترفع من درجة المخاطر المحيطة بالمضاربة في المعدن، وتعطي الفقاعة الحالية للذهب حجما جديدا.
أمس أيضا دخلت الفضة على الخط، حيث حققت ارتفاعا كبيرا في سعر الأوقية، والجدير بالذكر ان صناديق المضاربة في الفضة تعمل منذ فترة على ان تجد لها مكانا على ارض واقع المضاربات على المعادن الثمينة، وقد نجحت بالفعل في رفع اسعار الاوقية لتنضم الى هوس الذهب الذي يمتد حاليا عبر كافة انحاء العالم.
اليوم اقترح بوب زوليك رئيس البنك الدولي، اقتراحا مثيرا للجدل، حيث طالب بضرورة وجود نظام نقدي عالمي تعاوني، يقوم على استخدام عدة عملات مع استخدام الذهب كنقطة مرجعية دولية عن التضخم والانكماش وقيم العملات في المستقبل، حيث يقول ان الذهب ليس نقودا قديمة، وإنما تستخدم الأسواق المعدن كبديل عملي للعملات الورقية. المقترح يثير لدي الشكوك حول الخلفية الاقتصادية للسيد زوليك، ذلك ان استخدام الذهب كنقطة مرجعية للتوقعات التضخمية وقيم العملات يعد اقتراحا ساذجا، لان أسعار الذهب تعكس التوقعات التضخمية أو التقلبات في قيم العملات بصورة جزئية فقط، ذلك ان الذهب يستجيب لعوامل أخرى مثل الطلب على الذهب لأغراض المضاربة وقيود الطلب والعرض العالمي من الذهب والاحداث السياسية وربما البيئية في العالم. معنى ذلك ان عملية بناء التوقعات التضخمية وتوقعات معدل الصرف، إذا ما ارتكزت على الذهب كنقطة مرجعية، سوف تكون اشد تقلبا عما سبق إذا ما وضع هذا المقترح موضع التنفيذ، بعض المراقبين وصف المقترح بأنه صادر عن أغبى شخص في العالم.
اسعار الذهب لم تصل الى ذروتها التاريخية بعد. حيث وصل سعره في يناير 1980 الى 850 دولار التي تعادل بالاسعار الجارية اليوم 2400 دولار.