حرف السين الكبير!

31/10/2010 11
سليمان المنديل

في المجتمع الأمريكي يسمون مرض السرطان (Cancer) ،حرف السين الكبير (The Big C). وسبب اللجوء إلى الترميز باستخدام حرف (C) باللغة الإنجليزية، أو حرف (السين) بالعربي، هي رغبة لا شعورية من قبل المحيطين بمن هو مصاب بذلك المرض، ألا يذكروا اسم المرض بالاسم، وذلك تطيراً منه، ومع ذلك فذوو العلاقة بمن هو مصاب بمرض السرطان، عادة ما يكونون غير مهيئين نفسياً للتعامل مع المرض، ويشعرون بعدم الارتياح لزيارة أي أحد يحاول أن يواسيهم في الموضوع، وجزء أساسي من المشكلة هي أن أهل المريض لا يعرفون إن كانوا في مرحلة العلاج، أو النقاهة، أو اليأس من حالة قريبهم، وبالمقابل فإن من يأتي للمواساة، يتصرف كما لو كان في مجلس عزاء.

شخصياً أستطيع أن أتحدث عن هذا الموضوع، لأنني عايشت التجربة، مع أحد أبنائي، قبل 23 سنة، ولكن أحمد الله، وهنا مصدر أمل لكل من لديه محب مصاب بالمرض، أن هناك أملا، ولتكن ثقتنا بالله كبيرة.

عندما كان عمر ابني سبع سنوات، بدت عليه أعراض شكوى من جهة بطنه اليمنى، وكنا قلقين أنها الزائدة الدودية، وعندما عرفنا ما عرفناه، تمنينا أنها زائدتان بدلاً من واحدة، فقد شخّص الأطباء أن لديه سرطان الليمفوما. وبدأنا مرحلة العلاج الكيماوي، وسقط شعر ابني، وكان عليه أن يشرح لزملائه في المرحلة الإبتدائية سبب ذلك ... إلخ. تحملنا الألم النفسي، وتحمل ابننا العلاج الكيماوي، بكل ما يعنيه من معاناة. ولكن، الحمد لله، إنه اليوم بخير، وقد أهدانا قبل أشهر أول حفيد.

أستعرض تلك التجربة المريرة اليوم، لفوائد أرجوها، أهمها أن هناك أملا في نهاية النفق (ولا تيأس من رحمة الله)، وثانيها الحاجة لدعم كل البحوث، والعلوم التي تقوم على معالجة هذه الأمراض المستعصية.

بقي أمر محزن توثقت من صحته، وهو أن مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وهو المؤسسة الطبية الأولى في معالجة السرطان، وهو الذي عالج ابني، يرد اليوم ثلث طالبي العلاج، بسبب الضغوط التي يواجهها، فأين يذهب أولئك المرضى؟ خصوصاً أن تكلفة العلاج باهظة؟ وقد قرأت تصريحاً للدكتور قاسم القصبي، المشرف العام على مستشفى الملك فيصل التخصصي، ذكر فيه أن كلفة العلاج للبالغين تتراوح بين (400) ألف، إلى مليون ومائتي ألف (حسب نوعية المرض)، وتزيد لدى الأطفال إلى (1,5) مليون ريال، إذا اشتملت على زراعة نخاع العظام. فكيف نحرم مرضانا من الأمل الذي تحقق لغيرهم؟ وكيف سيكون عليه الوضع بعد خمس سنوات؟؟ وهل أصدرنا حكماً بموت ثلث مرضانا، عن سابق عمد، وإصرار؟!