من القواعد المهمة والأساسية في المالية والاستثمار تأتي قاعدة تنويع الاستثمارات، أو ما اصطلح على تسميتها بعدم وضع كل البيض في سلة واحدة لكي لا تسقط السلة ويتكسر كل البيض. بمعنى آخر فإن التنويع الاستثماري يهدف إلى تخفيض المخاطرة وقت الخسارة، أي أن ما قد يخسره المستثمر يكون أقل عند تنويع الاستثمار. وليس كل وأي تنويع في الاستثمار مفيد للمحفظة الاستثمارية، حيث إن تخفيض المخاطرة من خلال التنويع يعتمد على انخفاض معامل الارتباط في الأداء بين الأصول المستثمر بها. كما يعني التنويع تقليل الاستثمار في أصل واحد وتوزيع مقدار الاستثمار على عدد أكبر من الأصول. ولا تنطبق نظرية التنويع على المستثمرين الأفراد فحسب، حيث إن البنوك كذلك يجب أن تلجأ إلى التنويع في محفظتها الاستثمارية وفي محفظتها الإقراضية كذلك بما يخدم مصالحها واستراتيجياتها.
وكما تبين من الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على القطاع المالي والبنوك خصوصاً، فإن البنوك التي تتمتع بدرجة عالية من التنويع في محفظتها الاستثمارية استطاعت أن تقلل من تأثير تراجعات أسواق الأصول المالية بالطريقة نفسها التي استطاعت بها البنوك التي تمتلك محفظة ائتمانية متنوعة من امتصاص أزمة التعرض لقروض الشركات التي احتاجت إلى عملات إعادة هيكلة أو أعلنت إفلاسها. وبالتركيز على تنويع المحفظة الائتمانية، فإن التنويع يشمل عدة أبعاد منها تنويع المحفظة الائتمانية قطاعياً بين قطاعات يقل بينها معامل الارتباط كالتنويع بين قطاعي الإنشاءات والبتروكيماويات عوضاً عن قطاعات يرتفع بينها معامل الارتباط كقطاعي التطوير العقاري والإنشاءات. ومن الضروري الإشارة في هذا المقام إلى أن هناك أبعادا أخرى لتنويع المحفظة الائتمانية لدى البنوك تتمثل في التنويع بين الإقراض للقطاع الحكومي والقطاع الخاص أو التنويع بين الإقراض للشركات مع اختلاف أحجامها والأفراد. هذا التنويع مهما كانت أبعاده المختلفة وتعددها أثبت خلال الأزمة المالية العالمية نجاعته في مساندة إدارة مخاطر الائتمان بالبنوك التي اعتمدت التنويع بأبعاد مختلفة ما أدى إلى تغييرات كبيرة بدأت تأخذ مكاناً في استراتيجيات بعض البنوك. فعلى سبيل المثال، أثبت تعرض البنوك لتعثر بعض الشركات والمؤسسات الكبرى إلى فشل استراتيجية التركيز المبنية على إقراض كبرى الشركات وتجاهل المنشآت الصغيرة والمتوسطة أو خدمات التجزئة والأفراد. فكبرى الشركات لها انكشاف وعلاقات تجارية واستثمارية وطيدة مع الأسواق العالمية واقتصادات الدول الأخرى ومنها الولايات المتحدة ودول أوروبا ما أدى إلى تأثرها نتيجة لتأثر محافظها الاستثمارية العالمية التي تم تمويلها عن طريق الاقتراض من بنوك محلية. أما البنوك التي كانت لها محفظة ائتمانية نشطة في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فقد لاحظت خلال الأزمة المالية العالمية فائدة الإقراض لهذا القطاع نظراً لضعف ارتباطه بالأسواق العالمية واعتماده على محركات نمو محلية ترتبط بالأداء الاقتصادي المحلي.
وعليه، وتبعاً لأهداف إدارة المخاطر، قامت وزارة المالية في الإمارات في الأسبوع الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي بدعوة البنوك الإماراتية إلى زيادة التمويل المخصص للمنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال منهجية استهداف مركزة وذلك بعد تفويض مجلس الوزراء الإماراتي لوزارة الاقتصاد لعمل مسودة قانون لتنمية هذا القطاع. وبالتأكيد، فإن اهتمام صناع القرار الاقتصادي في الإمارات بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في هذا الوقت بالذات يدل على قناعة بأهمية وحيوية هذا القطاع في تقليل مخاطر الائتمان على القطاع المالي وقدرته على امتصاص الصدمات بجانب توفير رافد للأفكار الإبداعية ونمو القطاع غير النفطي. ومن المتوقع أن تقوم دول المجلس الأخرى بإجراءات مماثلة لدعم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الفترة المقبلة خصوصاً مع ضعف التمويل المتوفر لهذه المنشآت على الرغم من أهميتها الاستراتيجية للاقتصاد الحقيقي ولترابط وحداته المحلية.
وتبعاً لمسوحات البنك الدولي، فإن المنشآت الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعاني ضغوطا مالية، حيث إن 20 في المائة فقط من هذه المنشآت تملك قرضاً أو ائتمانا وهي بذلك أقل منطقة في العالم. أما نسبة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى إجمالي التمويل في دول الخليج فتبلغ 2 في المائة فقط وهي النسبة الأقل في العالم تبعاً لدراسة مشتركة للبنك الدولي واتحاد المصارف العربية صدرت في حزيران (يونيو) الماضي بعنوان "حالة التمويل البنكي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". وأشارت الدراسة إلى أن من أهم معوقات تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو غياب الشفافية، ضعف المعلومات الائتمانية، ضعف حقوق الدائنين، وهيكل الرهونات المتوافرة. كما أشارت الدراسة إلى أن دوافع إقراض البنوك للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في المنطقة نفسها تتضمن ارتفاع الربحية، تشبع تمويل قطاع الشركات، الحاجة إلى تحسين العوائد، وتنويع المخاطر. ووجدت الدراسة أن حجم البنوك لا يشكل محدداً لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بينما يشكل حجم شبكة الفروع أحد المحددات المهمة في عملية التمويل.
وختاماً، على الرغم من تفاوت اهتمام البنوك السعودية بتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة من بنك إلى آخر تبعاً لاستراتيجية البنك وتفضيلاته في السنوات الماضية مع ميل واضح لتفضيل قطاع الشركات الكبيرة وكبار العملاء لدى جميع البنوك، إلا أن الأزمة العالمية وتداعياتها أثبتت بأن لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة قدرة كبيرة على تنويع محفظة الائتمان وتقليل المخاطر. لذا، من المتوقع أن يزيد إقبال البنوك على برامج ضمان تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة كبرنامج كفالة في المدى القصير لحين تحسين آليات تقييم المخاطر وبناء المعرفة في تمويل هذا القطاع وتدخل صناع القرار لإنشاء برامج ضمان القروض كجزء من المسؤولية الاجتماعية لشركات المملكة بهدف إعطاء زخم لإقراض البنوك التي يجب أن تتعلم أين تضع بيضها!