تحرك السياسة النقدية ما بين تحفيز النمو وضبط التضخم (2-2)

30/09/2010 0
بشير يوسف الكحلوت

في المقال السابق أشرت إلى أن تحفيز النمو الاقتصادي للقطاع الخاص يتطلب اتخاذ بعض الإجراءات الإضافية في مجال السياسة النقدية، وقد انطلقت في ذلك من أن هذا القطاع كان لا يزال في مرحلة انكماش في الربع الأول من العام حيث تقلص الناتج المحلي الإجمالي-بالأسعار الجارية- بمعدل يصل إلى -4% تقريباً مقارنة بما كان عليه الحال في السنة السابقة.كما كان معدل التضخم لا يزال سالباً حتى شهر يوليو بقرابة 3%، وكان أداء البورصة ضعيفاً جداً إذا ما قيس بحجم التداولات اليومية التي بلغت 242 مليون ريال في المتوسط اليومي للشهور الثمانية الأولى من العام مقارنة بنحو 368 مليون ريال في عام 2009. هذه المعطيات دفعتني للكتابة في هذا الموضوع غير مرة وخاصة بعد أن أظهر مصرف قطر المركزي-منذ أوائل شهر أغسطس- رغبة في تخفيف قبضته على السياسة النقدية.وقد اقترحت على وجه التحديد أربعة مجالات يمكن التحرك من خلالها بما يحفز النمو الاقتصادي وهي:

1-إجراء تخفيض ملموس على سعر فائدة الإقراض من المركزي إلى البنوك والذي تجمد عند 5.5%إلى مستوى 3% وأن يكون ذلك على مراحل.

2- خفض نسبة الاحتياط الإلزامي من 4.75% إلى 3.25% بالتدريج، بما يساهم في تحرير عدة مئات من المليارات للبنوك فتوظف جزء منها على الأقل في عمليات التمويل والإقراض. الجدير بالذكر أن أي توسع في النشاط الاقتصادي يتطلب بالضرورة توافر التمويل اللازم له وهذه التمويل لا يمكن أن يتوافر إلا بالتمويل الذاتي من المدخرات ومن البنوك أو من خلال أسواق رأس المال المتمثلة في سوقي الأسهم والسندات. ولأن سوق الأسهم كان ضعيفاً في عام 2010 ولم يشهد إلا اكتتاباً واحداً لشركة عقارية-وهو ما لم يكن ناجحاً بالقدر الكافي-ولأن سوق السندات لم يتطور بعد، لذا فإن التمويل من خلال البنوك يظل هو العامل الحاسم في تحفيز نمو القطاع الخاص. وقد أظهرت البيانات الصادرة عن مصرف قطر المركزي مؤخراً أن التسهيلات التي قدمتها البنوك للقطاع الخاص قد نمت بالكاد في الشهور الثمانية الأولى من عام 2010 بما نسبته 4% فقط، وذلك يضع علامة استفهام كبيرة على الكيفية التي سينمو بها اقتصاد هذا القطاع إذا كان حصوله على التمويل اللازم غير متاح إلا في أضيق الحدود، وبتكلفة عالية .

3- واقترحت أيضاً أن يخفض المركزي من سنداته النقدية –أو شهادات الإيداع- المُصدرة للبنوك بما يعمل في نفس الاتجاه وهو توفير المزيد من السيولة لدى البنوك لممارسة نشاطها الأصلي المتمثل في التمويل والاقتراض.

4- واقترحت أيضاً أن لا يتوقف المركزي عند التخفيض الذي أجراه في أغسطس الماضي عندما خفض سعر فائدة الإيداع لدية بواقع نصف بالمائة، بل قد يكون من المناسب إجراء خفض جديد في الأسابيع القادمة، علماً بأن لدى المركزي هامش جيد للتخفيض باعتبار أن المعدل المناظر على الدولار يقل عن ربع نقطة مئوية. وأي خفض في معدل فائدة الإيداع لدى المركزي سيعطي إشارة إلى القطاع المصرفي برغبة المركزي في تخفيف السياسة النقدية المتشددة التي اتبعها منذ أن نشأت الأزمة المالية العالمية. وقد نوهت في هذا المقام أيضا بأهمية مراجعة التعليمات التي سمحت للبنوك بإيداع مبالغ كبيرة غير محددة بفائدة 1.5%، وبأهمية أن يتم الرجوع إلى سياسة السقوف التي كانت تقضي بعدم تجاوز أي بنك للمبلغ المحدد له في هذا الشأن.

إن البحث في الاقتراحات المشار إليها أعلاه-كلها أو بعضها- يبدو مناسباً في الوقت الراهن وخاصة إذا ما أظهرت بيانات الإحصاء التي ستصدر بعد أيام أن التضخم لا يزال سالباً حتى نهاية شهر أغسطس، وأن إجمالي ناتج القطاع غير النفطي والغازي في الربع الثاني من العام كان لا يزال راكداً أو ربما منكمشاً. وستكون هذه البيانات المنتظرة حجر الزاوية في بيان مدى الحاجة لاتخاذ المزيد من الإجراءات على صعيد السياسة النقدية. فإذا جاءت تلك البيانات بخلاف المتوقع أي إيجابية على صعيد النمو والتضخم، فإن ما ندعو إليه عندئذ هو التريث أو اتخاذ بعض الخطوات الجزئية، وذلك مخافة أن يؤدي التغيير الكامل في السياسة النقدية إلى تسارع معدل التضخم في قطر. وسنعود إلى هذا الموضوع في أقرب فرصة بعد ظهور البيانات لتدارس الموقف من جديد.