يختلف الخبراء ومسؤولو ''أوبك'' حول منجرات ''أوبك'' في الـ 50 سنة ماضية، ففي الوقت الذي يحصر فيه البعض منجزاتها في منجز أو منجزين، يحاول آخرون سرد المنجزات بشكل يكاد يكون ''أسطوريا''. إلا أن هناك حقيقتين لا يمكن التغاضي عنهما. الأولى أن بعض التطورات في أسواق النفط العالمية كانت ستحصل على كل الحالات سواء وجدت ''أوبك'' أم لم توجد، لذلك لا يمكن احتساب هذه التطورات على أنها من إنجازات ''أوبك''. والأخرى أن بعض هذه الإنجازات نتجت عن تصرفات مستقلة لبعض دول ''أوبك''، ولا يمكن احتسابها على أنها إنجازات ''أوبك'' كمنظمة.
رغم هذا الخلاف حول إنجازات ''أوبك''، إلا أنه ليس هناك خلاف حول أهم إنجازين لـ ''أوبك'' حتى الآن. الأول أنها ما زالت موجودة حتى الآن، رغم نعيها عدة مرات، ورغم توقع عدد كبير من الخبراء انهيار المنظمة. إن استمرارية ''أوبك'' حتى الآن، رغم كل النظريات التي طرحت لانهيار المنظمة وكيفية انهيارها، يؤكد أن هناك جهلا كبيرا حول ماهية المنظمة ودورها في أسواق النفط العالمية من جهة، وجهل بمعرفة مصالح الدول الأعضاء من جهة أخرى. نعم، إن بقاء ''أوبك'' حتى الآن إنجاز كبير، ليس بسبب عداء الدول المستهلكة للنفط وللمنظمة فقط، وإنما أيضا بسبب الخلاف الكبير بين أعضائها والحروب بينها. فلا يمكن لأحد منا أن ينسى الحرب العراقية ـــ الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، ومع ذلك بقيت الدولتان عضوتين في ''أوبك''، واستمرت ''أوبك''! ولا يمكننا أن ننسى الغزو العراقي للكويت، ومع ذلك بقيت الدولتان عضوتين في ''أوبك''، وبقيت ''أوبك''. أضف إلى ذلك الخلافات بين بعض أعضاء «أوبك»، وانسحاب بعض الدول في الماضي من ''أوبك''، ثم عودتها إليها، ومع ذلك عاشت ''أوبك''. غزا الأمريكيون العراق واحتلوها، وقال البعض إن هدف الأمريكيين هو زيادة إنتاج النفط العراقي وإجبار العراق على الانسحاب من ''أوبك'' وتدمير ''أوبك''. ها قد سحب الأمريكيون أغلبية جنودهم من العراق، وها هي ''أوبك'' تحتفل بعيد ميلادها الـ 50 والعراق ما زال عضوا فيها.
ارتفعت أسعار النفط بأكثر من عشرة أضعاف في السبعينيات، ثم انخفضت انخفاضا هائلا في منتصف الثمانينيات، وعاشت ''أوبك''. ثم انهارت الأسعار في عامي 1998 و1999، وعاشت ''أوبك''. ثم ارتفعت الأسعار إلى أكثر من 140 دولارا للبرميل، ثم انخفضت بشكل سريع إلى نحو 32 دولارا للبرميل، وعاشت ''أوبك''. خلال الـ 50 سنة الماضية تغير الحكم في كل من ليبيا وإيران ونيجيريا وفنزويلا والعراق، وكلهم بقوا في ''أوبك''، وبقيت ''أوبك''. هذا المختصر البسيط لأهم الأحداث يوضح أن بقاء ''أوبك'' حتى الآن من أهم إنجازاتها التي جعلتها منظمة فريدة من نوعها في التاريخ.الإنجاز الآخر هو ''تنفيق الريع'' وهو منجز تم في الستينيات قبل التأميم والمشاركة، وقبل سيطرة الشركات الوطنية على الاحتياطيات والإنتاج. في تلك الفترة كانت شركات النفط العالمية تملك الاحتياطيات من خلال امتيازات طويلة المدى، وتسيطر على كل مراحل الصناعة. في البداية كانت الدول تحصل على عائد بسيط يسمى ''الريع''، وهو عائد يحصل عليه من يملك الثروة النفطية مقابل أن يقوم آخرون باستغلالها. كانت القسمة غير عادلة على الإطلاق، بل كانت استغلالا بشعا ونهبا لثروات شعوب تعاني الجهل والتخلف والاستعمار. ويكفي أن نذكر أن عائد شركات النفط عن كل برميل استخرج من منطقة الخليج كان 50 ضعف ما حصلت عليه هذه الدول. مع زيادة الوعي وانتشار الحس الوطني تم الضغظ على الشركات لإجبارها على المشاركة في الأرباح، ودفع ضرائب إضافية. ولما خضعت الشركات، وتمت المشاركة في الأرباح، قامت الشركات باحتساب الريع على أنه جزء من الربح أو الضرائب التي تتسلمها هذه الدول. لكن الدول أصرت على أن الريع شيء والربح والضرائب شيء آخر, حيث إن الريع هو عائد على المصدر الناضب، فرفضت الشركات, وبعد مفاوضات مضنية استمرت سنوات، خضعت الشركات وتم اعتبار الريع كأحد نفقات الإنتاج، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع إيرادات هذه الدول.
تأسيس المنظمة قامت خمس دول هي: فنزويلا, السعودية, إيران, العراق, والكويت بتأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفط ''أوبك'' يوم 14 أيلول (سبتمبر) من عام 1960. ثم انضمت إليها فيما بعد كل من قطر في عام 1961, وإندونيسيا وليبيا في عام 1962, وأبو ظبي في عام 1967, والجزائر في عام 1969, ونيجيريا في عام 1971, والإكوادور في عام 1973, والغابون في عام 1975. ثم انسحبت الغابون وعلقت الإكوادور عضويتها في بداية التسعينيات، ثم عادت الإكوادرو في نهاية 2007. ثم انضمت أنغولا إلى المنظمة في بداية عام 2007، بينما انسحبت إندونيسيا من المنظمة في نهاية عام 2008 بسبب الانخفاض الكبير في صادراتها.
وهدفت الدول المؤسسة تشكيل جبهة موحدة للتفاوض مع شركات النفط العالمية التي كانت تسيطر على احتياطيات النفط في هذه الدول من خلال امتيازات طويلة المدة بلغ بعضها 99 عاماً. وعلى الرغم من أن إنشاء المنظمة جاء كردة فعل مباشرة على انخفاض إيرادات الدول المضيفة بسبب قيام شركات النفط العالمية بتخفيض أسعار النفط مرتين في عام 1959, إلا أن الأدلة التاريخية تشير إلى أن فكرة إنشاء ''أوبك'' بدأت في الأربعينيات من القرن الماضي في فنزويلا بعد أن قام وزير النفط الفنزويلي ألفونسو بيريز في ذلك الوقت بزيارة الولايات المتحدة لدراسة الدور الذي تقوم به ''هيئة تكساس للخطوط الحديدية'' التي كانت تسيطر على إنتاج النفط في المنطقة من خلال تقنين الإنتاج للحفاظ على أسعار النفط فوق حد معين. يذكر أن هذه الهيئة كانت قوية جداً لدرجة أنه تم إجبار منتجي النفط في كل من تكساس و أوكلاهوما على تخفيض الإنتاج بالقوة عن طريق اقتحام الحرس الوطني بسلاحه ومدرعاته لحقول النفط وإغلاقها بالقوة بشكل يتنافى مع كل المبادئ التي تنادي بها الولايات المتحدة في الماضي والحاضر.
ستشهد الأيام القادمة تغطية إعلامية كبيرة لـ ''أوبك''، وسيتم الحديث عن إنجازاتها العديدة، وسيقوم بعض الكتاب ممن لا ناقة لهم ولا جمل في الموضوع بجمع بعض المعلومات من الإنترنت والحديث عن ''أوبك'' بشكل أسطوري، والواقع أن إنجازات ''أوبك'' محدودة تتمثل أغلبيتها في بقائها حتى الآن وتنفيق الريع، أما باقي الإنجازات التي سيتم الحديث عنها فهي تحصيل حاصل نتيجة تصرفات بعض دول ''أوبك''، ونتيجة التطورات المختلفة في أسواق النفط العالمية. وسيتم في الحلقات القادمة شرح سلوك ''أوبك'' ودورها في أسواق النفط العالمية.
أتفق معك في أغلب ما قلته بخصوص أوبك، ولكن لي استفسار بسيط، يدور حول وجودها كمنظمة، ألا يساهم وجود أوبك كمنظمة تضم أهم مصدري النفط في العالم في صياغة الأفعال وردود الأفعال لدول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أو الدول المستهلكة بشكل عام. ألا تقوم أوبك بنفس الدور الذي تقوم به "الفزاعة" بحيث تَجبُن الطيور عن مهاجمة الحقول؟