صناديق الاستثمار في البنية التحتية وتوزيع الدخل!

25/09/2010 0
د. قصي الخنيزي

بقراءة خطة التنمية الخمسية التاسعة للمملكة وباسترجاع الميزانية الحالية وتصريحات الوزراء والمسؤولين الحكوميين والتصريحات الإعلامية في الشركات شبه الحكومية، يتبين اهتمام المملكة بالاستثمار في البنية التحتية من خلال تخصيص مبالغ ضخمة وتطوير وترسية عدد من المشاريع والمبادرات, إلى جانب تقديم قروض ميسرة لمطوري مشاريع البنية التحتية. ونتيجة للأزمة المالية العالمية أصبح الاستثمار في البنية التحتية من أهم مجالات الاستثمار للمستثمرين المؤسساتيين نظرا لتدني مستوى المخاطرة مقارنة بالخيارات الاستثمارية الأخرى التي تتأتى من خلال وجود شراكة استراتيجية بين القطاعين العام والخاص. وتتميز استثمارات البنية التحتية بكون طبيعة الاستثمار عادة ما تتم في مجالات تحتاج إلى استثمار مبالغ ضخمة وفي قطاعات عالية التنظيم أو من خلال شراكة مباشرة مع القطاع العام في تراخيص أو امتيازات طويلة الأجل.

وفي بدايات الخطط التنموية وبالذات خلال فترة الطفرة المالية الأولى في النصف الثاني من السبعينيات وبداية الثمانينيات، قامت الدولة بتحمل عبء تمويل معظم مشاريع البنية التحتية من خلال مجموعة من الهياكل العامة للتمويل كصناديق التنمية الحكومية. ونتيجة لتراجع عوائد الميزانية العامة لانخفاض عوائد النفط منذ منتصف الثمانينيات وإلى آذار (مارس) من عام 1998, إلى جانب ملاحظة الحاجة إلى التنويع بعيدا عن إدارة القطاع العام لمشاريع البنية التحتية نظرا لانخفاض كفاءة الإدارة وفاعليتها، بدأ توجه القطاع العام إلى استحداث أسلوب للشراكة مع القطاع الخاص من خلال نموذج ''التنفيذ ــ التشغيل ــ النقل''. وهنا يقوم القطاع الخاص بتنفيذ المشروع وتشغيله لفترة زمنية محددة ومن ثم تمرير أو نقل المشروع للقطاع العام بناء على افتراض قدرة القطاع الخاص على تمويل المشروع والالتزام بالكفاءة في التشغيل للحصول على هامش ربح مرتفع حين الوصول إلى مرحلة النقل أو التسليم.

ونتيجة لطبيعة الاستثمار تلك وبعد النجاح النسبي في رفع الكفاءة للنموذج السابق الذي تم توظيفه في النصف الثاني من الثمانينيات ولشطر كبير من التسعينيات، بدأت في الظهور في الأسواق العالمية نماذج أخرى منها نموذج ''التصميم ــ البناء ــ التمويل ــ التشغيل'', حيث أصبح أحد أهم النماذج العالمية لسد العجز في تمويل مشاريع البنية التحتية الحديثة أو المشاريع القائمة التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة للقيام بعمليات الصيانة. وإضافة إلى كون هذا النموذج مصدر تمويل يسد ثغرة مهمة ويغطي مشاريع ذات طبيعة خاصة، فإن العديد من الدول تستفيد من خبرة القطاع الخاص المهمة لتحسين الإنتاجية، الفاعلية، والأداء لخدمات ومشاريع البنية التحتية, علماً بأن مشاريع الشراكة هذه عادةً وليس دوماً ما تكون محصورة في مجالات النقل والطرق، المياه والصرف الصحي، المستشفيات، الإسكان وتطوير المشاريع العقارية، الكهرباء, والغاز.

كما تتطلب طبيعة الاستثمار لمشاريع البنية التحتية مدى زمنيا أطول من المعتاد في الاستثمارات الأخرى، حيث يتم تحديد المدة الزمنية لتشغيل القطاع الخاص لهذا النوع من المشاريع لتغطي فترات زمنية طويلة تحمل بعض عوامل المخاطرة نتيجة لحالة عدم التأكد بما يؤدي إلى لجوء القطاع الخاص لصيغ تمويل تتخطى القروض البنكية قصيرة الأجل أو الأساليب التقليدية التي تؤدي إلى عدم التناسق بين استحقاقات الأصول والمطلوبات. لذا، فالصيغة التمويلية التي أثبتت نجاحاً في عدة دول حول العالم لمشاريع البنية التحتية ترتكز على الاستثمار في مشاريع البنية التحتية من خلال صندوق استثماري مغلق ذي استثمار محدد. ويجد هذا النوع من الصناديق إقبالاً عالميا متزايداً لتوفير التمويل المطلوب للبنية التحتية، حيث ارتفع الاستثمار عالميا في صناديق الاستثمار في البنية التحتية بنحو عشر مرات من 2.4 مليار دولار عام 2004 إلى 24.7 مليار دولار عام 2008.

ويمكن تلخيص الدوافع الرئيسة لارتفاع الاستثمارات للمستثمرين المؤسساتيين في هذا النوع من الصناديق في التالي:

مطابقة الأصول والخصوم: يتيح الاستثمار في صناديق البنية التحتية للمستثمرين ممن لديهم خصوم/ التزامات كبيرة طويلة المدى كمؤسسات التقاعد مطابقة تلك الالتزامات طويلة الأجل بأصول مستقرة وعالية الجودة.

إيرادات عالية الجودة: على الرغم من أن الاستثمار في البنية التحتية طويلة المدى، إلا أن الاستثمار في المشاريع القائمة أو المحسنة يضمن تدفقا كبيرا من الإيرادات بما يضمن تحسين عمليات إدارة المخاطر وجذب المستثمرين الذين يبحثون عن أدوات استثمار مشابهة للسندات أو الصكوك.

الحماية من التضخم: يتضمن العديد من الاستثمارات في أصول البنية التحتية بنود تسوية للتضخم في آليات التسعير الخاصة بها، حيث تحد من الأثر السلبي للتضخم.

ولكون اقتصادنا السعودي يعيش فترة طفرة في الإنفاق الحكومي كجزء من حزمة التحفيز المالي التي تبعت الأزمة الاقتصادية العالمية ودفع النمو الاقتصادي المرتكز على العوائد النفطية التي تراكمت في السنوات القليلة الماضية، يبرز سؤال عن مدى مساهمة صناديق الاستثمار في البنية التحتية في تمويل مشاريع البنية التحتية؟ حقيقة ما دفعني إلى هذا التساؤل هو لجوء مجموعة بن لادن للمقاولات إلى إصدار صكوك مرابحة بقيمة 700 مليون ريال لتمويل عملياتها, التي تعتمد معظمها ــ إن لم يكن كلها ــ على الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والإنشاءات كنظيرتها شركة سعودي أوجيه. هذا التمويل من خلال الصكوك التي تم بيعها لمستثمرين مؤسساتيين سعوديين كان له أن يتم من خلال صندوق استثمار في البنية التحتية يتم تصميمه بطريقة مبتكرة تمرر بعض عوائد الإنفاق على البنية التحتية إلى المستثمر الفرد أو لعدد كبير من المستمرين المؤسساتيين وبطريقة تسمح لباقي المقاولين المعروفين بالحصول على التمويل المطلوب.

لماذا قامت مجموعة بن لادن للمقاولات بإصدار صكوك المرابحة ولم تلجأ إلى صندوق استثمار في البنية التحتية؟ عند مراجعة اللوائح التنفيذية لهيئة السوق المالية الخاصة بتنظيم صناديق الاستثمار من خلال المادة 25 المعنونة بـ ''القيود على المشاركة في طرح الأوراق المالية'' الفقرة ''ج'' التي تنص على التالي ''لا يجوز لصندوق الاستثمار شراء أوراق مالية بموجب طرح خاص أو مستثنى''، يتبين عدم قدرة الصناديق الاستثمارية العامة من المشاركة في هذا النوع من الاستثمار, حيث إن طبيعة هذا النوع من الأصول لا تتناسب مع متطلبات الشركات المساهمة أو الطرح العام.

ودون شك، فإن إدخال المستثمر الفرد في صناديق استثمار أصول البنية التحتية سيعزز ثقافة الاستثمار طويل المدى من خلال المستثمرين المؤسساتيين وبذلك نكون قد تعدينا ثقافة المضاربة والتمكن من توزيع عوائد النمو الاقتصادي بطريقة فاعلة تتعدى نموذج المدن الاقتصادية المشكوك في جدواها, فمن الممكن للمستثمر الفرد الاستفادة من الطفرة الحالية من خلال المشاركة عبر مستثمرين مؤسساتيين متخصصين في: أصول البنية التحتية القائمة أو عبر المشاركة في المشاريع القادمة من خلال تقديم التمويل لمقاولي المشاريع الحديثة أو المشاركة مع الشركات المتخصصة في مشاريع محددة من خلال نموذج ''التنفيذ ــ التشغيل ــ النقل''.

كما سيساعد ذلك على فتح قناة جديدة لتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة كمشاريع الشركة السعودية للكهرباء، حيث صرح المهندس علي البراك في المؤتمر الصحافي في شهر آب (أغسطس) الماضي بأن ''حاجتنا السنوية تصل إلى 4500 ميجاواط, ما يعني أن الشركة تحتاج إلى بناء ثلاث محطات ضخمة سنويا بمبالغ تصل إلى 40 مليار ريال, وهنا ليس أمامنا إلا الاستمرار في طرق جميع مصادر التمويل المتاحة التي استخدمناها في السابق, كالاقتراض والدعم الحكومي عبر القروض, وهذا يحمل أيضا إصدارات جديدة من الصكوك''.

من المعلوم أن عددا من مشاريع الكهرباء والمياه قام بتطوريها القطاع الخاص كشركة أكوا باور المملوكة لعدد من رجال الأعمال السعوديين. ونظرا لضخامة هذه المشاريع فقد تم تمويلها من قبل البنوك المحلية والأجنبية إلى جانب الصناديق الحكومية حينئذ، إلا أن تأثيرات الأزمة المالية العالمية أدت إلى تقليل دور البنوك العالمية في تمويل هذه المشاريع نظرا لارتفاع تكلفة التمويل لديهم مقارنة بالبنوك المحلية, ما يؤدي إلى الضغط على البنوك المحلية في التمويل, خصوصاً أن من الممكن أن تكون بعض البنوك قد وصلت إلى الحد الأعلى للإقراض وكفاية رأس المال بحسب تعليمات مؤسسة النقد.

وبحسب تصريح معالي الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد لقناة ''العربية'' في شباط (فبراير) 2009 بأن ''... هناك وسائل أخرى ‏مثل إصدار الصكوك والسندات من قبل البنوك وأيضا من قبل ‏المستثمرين، أعتقد أن هذا مجال لم نبدأ به إلا قليلاً ويتيح إمكانات ‏هائلة جدا لتمويل مشاريع إنتاجية ضخمة في الاقتصاد السعودية, ‏ونحن مع رجال الأعمال ومع الجهات الحكومية الأخرى مثل وزارة ‏المالية ومجلس الاقتصاد الأعلى نتدارس هذه الأمور''.

وبناء على ما سبق ورؤية صناع القرار الاقتصادي، يجب إعادة النظر في دور صناديق الاستثمار في البنية التحتية من قبل هيئة السوق المالية، كما يجب قيام أحد البنوك الاستثمارية المحلية بالعمل مع المؤسسة العامة للتقاعد أو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في تكوين صندوق استثماري متخصص للاستثمار في مشاريع البنية التحتية القائمة أو المستقبلية مع طرحه للاكتتاب العام ليستفيد المواطن السعودي من بعض عوائد الإنفاق العام إذا استعصى طرح مقاولي البنية التحتية للاكتتاب العام.