لو قيل إنني صديق للدكتور غازي القصيبي، فذلك شرف لا أدعيه، ولكن ظروف عملي قادتني إلى الاتصال به، وسأروي ثلاث حالات من ذلك:-
1 – في عام 1980م، عُينت أميناً عاماً لصندوق الاستثمارات العامة، وكان للصندوق مجلس إدارة مكون من خمسة وزراء، أحدهم الدكتور غازي، وعندما كنت أذهب إلى مكاتب أولئك الوزراء لتوقيع محضر ما، فهو كان الوزير الوحيد الذي يفتح باب مكتبه، ويطل بقامته المهيبة، ليرحب، ويتبسط مع شاب لم يتجاوز الثلاثين عاماً.
2 - لاحقاً موّل صندوق الاستثمارات العامة الجيل الأول من مشاريع شركة سابك، وفي يوم دعيت لحضور حفل يرعاه الدكتور غازي، لتكريم قدامى موظفي سابك، وفوجئت بعريف الحفل يطلب مني اعتلاء منصة التكريم، وعندما استلمت هدية من الدكتور غازي، ذكّرته بأن أحداً قد يعتبر تلك الهدية رشوة، وبدون تردد قال لي "الرشوة تتم تحت الطاولة، وهذه معلنة على رؤوس الأشهاد".
3 – مضت بعد ذلك مدة (25) سنة، دون وجود اتصال به، ولكن قبل أشهر من مرضه، كتبت مقالاً أشرت فيه إلى مرثية، كنت أعتقد أنها للشاعر حافظ إبراهيم، في الزعيم سعد زغلول، والتي تقول مقدمتها:
قالوا دهت مصر دهياء فقلت لهم هل غيض النيل أم هل زلزل الهرم قالوا أشـد وأدهى قلت ويحـكم إذن لقـد مات سعد وانطوى العـلم
وإذا بي أفاجأ بالدكتور غازي يتصل بي، وهو صاحب الصوت الصداح المميز، ويصحح لي أن شاعر تلك المرثية هو الأخطل الصغير، أما مرثية حافظ إبراهيم فهي أجمل من ذلك بكثير، وشرع يقرأ عددا من أبياتها، وأستطيع الجزم اليوم أن شاعره المفضل، بعد أبو الطيب المتنبي، هو حافظ إبراهيم.
بعد أن انتهينا من حديث الشعر، حولت الحديث إلى موضوع وزارة العمل، وسألته: لماذا التركيز في هجوم الوزارة على تجار التأشيرات، ولا حديث عن نظام التعليم الذي هو السبب الأكبر لمشكلة البطالة؟ وكان جوابه: أنه عندما يكون هناك حريق في بيتك، فيجب إطفاء الحريق (تجارة التأشيرات) أولاً، وبعد إطفاء الحريق، يمكنك التفكير في تحسين أساسات المنزل...
رحم الله أبا يارا، وأسكنه فسيح جناته، فقد جاء إلى هذا العالم ولمس حياتنا، وأثّر في الكثير منا، ثم ذهب، مستعجلاً، إلى الخالق عز وجل.
أخيراً، هذا اقتراح للإخوة في شركة سابك، فالمرحوم هو من سنّ سنّة حسنة بتكريم علماء المسلمين بتسيمة بعض مشاريع سابك باسمهم، مثل ابن رشد، وابن سينا، والرازي. واليوم ألا يستحق الدكتور غازي تسمية مشروع صناعي باسمه؟ أعتقد ذلك.
هكذا القول ..
الشاعر المفضل للقصيبي بعد المتنبي هو عمر أبو ريشة , وقد قال هذا في أمسيته في الكويت بعد تحريرها
الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته
كان وسيبقى علم يرفرف في ارجاء هذا الوطن لما قدمه من انجازات ومشاريع ناجحه في جميع الادارات التي تقلدها الفقيد - رحمه الله عليه_ الدكتور غازي القصيبي. فالناس تشعر بانها فقدت شخصيه فريده من نوعها قد لاتتكرر وكيف وتلك الشخصيه التى كانت لها القدره الفائقه في الموازنه بين الجانب الثقافي و الجانب العملي المميز.. نعم ياساده..هو كان كذلك هو الدكتور غازي القصيبي الاداري الناجح التي لن تطفأ شمعته مهما كان... الشكر لك ياستاذ سليمان على المقاله التي تحمل معاني الصداقه والمحبه التي تعلمناها من المرحوم واتمنى ان يجد اقتراحك لشركه سابك (حتى لو كان غيرها) محل اهتمام وتطبيق من قبل المسؤلين المعنين في هذا الخصوص ... ودمتم بخير ..
افضل وصف لهذا الرجل الاستثناء رحمك الله ابا يارا