احتياطيات البترول النبيل (خيارة زايد فقوسة لا تساوي خيارتين)

12/11/2011 3
د. أنور أبو العلا

أريد أن أفتتح عمود اليوم بتوجيه الشكر للأستاذ الفاضل الذي لقب نفسه "أبو عمرو" لأن الذي فهمته من تعليقه (التعليقات: 2، 3، 4) على مقالي في الأسبوع الماضي أن البعض قد يفهم (كما فهم هو) أن في مقالي هجوم على الدكتور دانيال وهذا بالتأكيد غير صحيح فالدكتور دانيال ليس لديّ أي شك انه واحد من أكثر الذين يحاولون أن يبحثوا عن حلول لمشاكل الطاقة وتقريب وجهات النظر بين الدول المنتجة والمستهلكة ولكن هذا لا يمنع من أن أبدي رأيي كمتخصص عن مفهوم ذروة البترول.

الشيء الذي أنا مقتنع به كمتخصص ومتابع لأخبار البترول أن انتشار مفهوم الذروة (لا سيما بعد تأسيس ASPO عام 2000) جعل الكثير من المثقفين والإعلاميين والمختصين والأكاديميين والسياسيين بل حتى رؤساء الدول أصبحوا الآن يجدون الأعذار للدول المنتجة للبترول ويتعاطفون معهم فبدلا من انهم كما كانوا في الماضي يتهمونهم بالجشع وانهم يخفضون انتاج البترول عن قصد من أجل رفع اسعاره ويحمّلونهم مسؤولية انهياراقتصاديات الدول الصناعية وتجويع شعوب الدول الفقيرة الى ان وصل الحد بالبعض (لاسيما في السبعينيات والثمانينيات) الى المطالبة باحتلال مواقع البترول فقد تغيّرت هذه النظرة بفضل انتشار مفهوم الذروة التي اظهرتهم بأنهم أبرياء لا ذنب لهم.

كمثال يوضّح كيف تغيرت نظرة المسؤولين في الدول المستهلكة الى الدول المنتجة للبترول لقد كان الرئيس بوش -على سبيل المثال- في حملته للرئاسة عام 2000 يعلن أن من أولوياته انه سيضغط على اوبك لزيادة انتاجها من أجل خفض الأسعار ولكن بعد 8 سنوات في مقابلة مع المذيع Terry Moran في برنامج (ABC’s nightline) بتاريخ 15 يناير عام 2008 عندما سأله المذيع أثناء زيارته لدول الخليج (في وقت ارتفاع أسعار البترول) هل ستطلب منهم زيادة انتاجهم من أجل خفض الأسعار؟ فكان رد بوش حاسما: "انك لا تستطيع ان تطلب من اصدقائك ان يعطوك شيئا لا يوجد لديهم" أليس هذا يعني ان بوش كان متأثرا بأفكار مستشاره سيمونز ماثيو (تمنيت أن يكون مسلما لأقرأ له الفاتحة).

إذن أرجو الآن ان يكون الموضوع واضحا ان الهدف من مقالي ليس مهاجمة شخص الدكتور دانيال فأنا بالعكس أكن له كامل التقدير والاحترام وانما فقط أردت القاء بعض الضوء لتوضيح بعض الجوانب التي لم يستطع البعض ان يدركها من نفي وجود الذروة.

يقول الدكتور دانيال بالنص: فقط (Just) في الأعوام من 2007 الى 2009 بالنسبة لكل برميل واحد تم انتاجه في العالم تم مقابله اضافة 1.6 برميل الى الإحتياطيات الجديدة.

من استعمال الدكتور دانيال كلمة فقط (Just) قد يوحي ضمنيا للقارئ بأنه من باب أولى إذن أن يكون في الأعوام الأخرى على مدى عمر اكتشاف البترول كان في كل عام يضاف احتياطيات جديدة الى البترول أكثر من المنتج منه ومعنى هذا ان احتياطيات البترول تتزايد ولا تتناقص. أي باختصار ان البترول غير ناضب او على حد تعبير الدكتور: There will be oil.

هذا الاستنتاج (اي لا ينضب البترول) قد يصدّقه البعض لدينا ومن ثم لهم الحق أن يقولوا عن حسن نيّة ان ذروة البترول نظرية مفلّسة ثبت فشلها عمليا ونظريا وتاريخيا (للأسف هذه العبارة قالها احد الكتاب لدينا وهو يصفني شخصيا بالمطبل لآسبو ASPO) في مقال نشره في احدى صحفنا ولم اطلع عليه الا مؤخرا عندما ارسله لي فاعل خير على ايميلي تعليقا على مقالي المنشور في الرياض الاقتصادي بتاريخ 23 اكتوبر 2010 بعنوان: عصر البترول الرخيص).

الخطأ الذي لم يكن من المتوقع أن يقع فيه خبير مخضرم في مكانة الدكتور دانيال هو عدم تفريقه بين أنواع البترول لأن مجرد القاء نظرة فاحصة على الاحتياطيات الجديدة المضافة الى البترول منذ بداية هذا القرن هي من البترول المسمى Non-conventional (اي غير التقليدي) وهو يشمل الرملي Sands والحجري Shale وبترول المياه العميقة الذي ليس فقط تكاليف انتاجهم أضعاف أضعاف تكاليف انتاج البترول السهل والرخيص والنبيل (من نوع بترول حقل الغوار) بل أيضا لتأثيره المدمّر للبيئة والحياة على كوكب الأرض.

لماذا يضطّر الإنسان للجوء الى هذه النوعية من البترول العالي التكاليف والمدمّر للحياة الا لأن البترول النبيل وصل فعلا الى الذروة وأصبح من الواجب العض عليه بالنواجذ لترشيد استخراج المتبقي منه قبل أن نفاجأ بارتفاع تكاليف انتاجه ويفقد ميزته النسبية فنضطر الى العض على أصابع الندم.

موضوع الأسبوع القادم -ان شاء الله- سيكون بعنوان: اقتصاديات الكدّادين (سائقي تكاسي المطارات).