بعد تأخير لأكثر من ثمانية أشهر، تم الإعلان أخيراً بشكل رسمي عن أهداف وملامح خطة التنمية التاسعة التي كان من المفترض أن يتم الإعلان عنها قبل بداية عام 2010م على أقل تقدير بحكم أن هذه الخطة الخمسية تبدأ مع بداية هذا العام (وليس من منتصفه)، وهو ما يضع تساؤلات حول الكيفية التي تم بها وضع الموازنة المالية لهذا العام وتوقيت الإعلان الذي أتى قبل أيام قليلة فقط من الإعلان عن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن!!
عندما ندقق قليلاً في تفاصيل الاستراتيجية بعيدة المدى للخطط الخمسية المستقبلية حتى عام 2024م (التي تم الإفصاح عنها ضمن خطة التنمية التاسعة)، سنجد أن الاستراتيجية تستهدف زيادة متوسط دخل الفرد في المملكة (نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي) من 43.7 ألف ريال في 2004م إلى 86.5 ألف ريال في 2024م أي بمعدل زيادة إجمالية بلغ نحو 200 في المائة (ما يعادل 10 في المائة سنوياً خلال الـ 20 عاماً)، وهو بالتأكيد هدف طموح جداً بل ويفوق أكثر التوقعات تفاؤلاً بما في ذلك توقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
لكن عندما نراجع الأرقام المحققة في الأعوام الخمسة الأخيرة من خلال ما تحقق في خطة التنمية الثامنة، سنجد أن متوسط دخل الفرد في المملكة زاد من 43.7 ألف ريال في 2004م إلى 46.2 ألف ريال في 2009م، أي أن نسبة الزيادة الإجمالية المحققة كانت بنحو 5.72 في المائة فقط لكامل الفترة في حين أن نسبة الزيادة السنوية لا تتعدى 1.2 في المائة فقط، وبالتالي يحق لنا هنا أن نتساءل: إذا كانت خطة التنمية الثامنة (وهي التي شهدت طفرة اقتصادية لا مثيل لها) قد حققت متوسط زيادة سنوية في معدل دخل الفرد لا يتعدى 1.2 في المائة فقط فكيف ستحقق بقية الخطط التنموية مستقبلاً متوسط زيادة سنوية بنحو 10 في المائة؟
ما زاد الطين بلة، أن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن أظهرت مفاجأة تتمثل في زيادة كبيرة بالأرقام الفعلية لعدد السكان عن الأرقام التقديرية في الاستراتيجية وخطة التنمية التاسعة، حيث كانت التقديرات تشير إلى أن عدد السكان في بداية 2010م يبلغ 25.4 مليون نسمة في حين أن النتائج الأولية للتعداد تشير إلى أن عدد السكان في بداية هذا العام بلغ 27.1 مليون نسمة، مما يؤكد لنا وجود فروقات بنحو 1.7 مليون نسمة تمثل نسبة كبيرة بلغت 6.7 في المائة، وبالتالي وجود خطأ جوهري في جميع الأرقام الواردة في الاستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد وخطة التنمية التاسعة!!
لا شك أن هناك خللاً في عملية التخطيط الاستراتيجي لدينا، وما يؤكد ذلك أنه منذ السبعينيات الميلادية كانت خطط التنمية تستهدف تحسين مستوى معيشة المواطن في وقت كانت مملكتنا الحبيبة ضمن أكبر عشر دول على مستوى العالم من حيث متوسط دخل الفرد، أما الآن فمتوسط دخل الفرد في المملكة لا يتعدى المركز 62 بين بقية دول العالم وهذا هو المهم، وفي رأيي الشخصي أن المبالغة في التقديرات (سواء كانت تقديرات للنمو الاقتصادي أو تقديرات لعدد السكان) من جانب وغياب الرقابة من جانب آخر تعد أهم مسببات هذا الخلل حتى أصبح حالنا أشبه ما يكون بحال شريم في المثل الشعبي "قال انفخ يا شريم قال ما من برطم".
اسأل العساف .... وزير كل شيء ... لماذا يوجد هناك خلل في التخطيط الاسترتيجي ... ومن هو الذي الغى دور وزارة التخطيط