هل كان مفاجئاً أن يخفض مصرف قطر المركزي سعر فائدة الإيداع لديه بواقع نصف بالمائة إلى 1.5%، أم أن الأمر كان متوقعاً في ظل بعض المعطيات المستجدة على الساحة خلال الشهور الأخيرة؟ وهل هناك علاقة بين القرار الذي صدر يوم الأربعاء الماضي، وبين القرار الصادر عن الاجتماع الدوري للجنة السوق المفتوحة بمجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي مساء الثلاثاء، والذي تقرر فيه الإبقاء على معدلات الفائدة على الدولار قريباً من الصفر دون تغيير؟ الجدير بالذكر أن قرار المصرف قد صدر دون إعلان رسمي من المركزي، وتم تمريره إلى البنوك، التي تولى بعض موظفيها تمريره إلى وكالة رويترز فنشرته مختصراً مع التنويه بأنها لم تجد في المركزي من يعلق على الخبر، ونشرت الصحف القطرية الخبر صباح الخميس في صدر الصفحة الأولى-كما فعلت الشرق على الأقل- لفرط إحساسها بأهمية الخبر باعتباره تغيراً مهما في السياسة النقدية يحدث للمرة الأولى منذ أكثر من عامين. ورغم أن الموقع الرسمي للمصرف على النت لم يؤكد الخبر حتى لحظة كتابة هذا المقال يوم السبت، ولا زال في صفحته الأولى يشير إلى أن سعر فائدة الإيداع للمصرف 2%، إلا أن عدم نفي الخبر بعد نشره في الصحف يوم الخميس يجعلنا نميل إلى تصديقه للأسباب التالية:
أولاً: أنه قد جرت العادة في المركزي أن تجتمع لجنة السياسة النقدية في المصرف بشكل متزامن مع اجتماعات لجنة السوق المفتوحة في الولايات المتحدة وذلك بالنظر إلى علاقة الارتباط الثابتة بين سعر صرف الريال مع الدولار، وهو ما يستوجب وجود تناغم وانسجام بين السياسة النقدية لكل منهما. وقد أبقت لجنة السوق المفتوحة معدل الفائدة الإتحادية على الدولار دون تغيير مساء الثلاثاء ، مما يعني ضمناً استمرار زيادة سعر الفائدة لليلة واحدة على الريال عن نظيره الريال، بأكثر من 1.5%. ولأن المعطيات الإقتصادية التي أوجبت القرار الأمريكي قد بدا منها أن هذه السياسة التي طال تنفيذها لأكثر من عامين، قد لا تتغير في المدى المنظور، ولذا كان لا بد من التحرك على الجانب القطري لتقليص الفارق بين المعدلين كما جرت العادة في السابق ولسنوات طويلة منذ أن بدأ الربط بين العملتين.
ثانياً: أن المعطيات المحلية للاقتصاد والجهاز المصرفي في قطر قد ضغطت في الشهور الأخيرة لاتخاذ مثل هذا القرار وأذكر من ذلك ما يلي:
1- أن معدل التضخم في قطر كان لا يزال سالباً في شهر يونيو الماضي وبنسبة 2.8%، مع كونه قد انخفض دون الصفر منذ الربع الأول من العام 2009، أي لمدة تزيد عن 15 شهراً، وكان ذلك غير منطقي في بلد يحقق معدلات نمو مرتفعة. وبالمقارنة مع دول الاتحاد النقدي الأخرى وهي السعودية، والكويت والبحرين، فإن معدلات التضخم في الدول الثلاث كانت موجبة وبالمعدلات التالية على التوالي:5.5%، 2.9%، 2.3%. ولأن معيار التضخم من المعايير المهمة لإنجاز الاتحاد النقدي، ويشترط أن يكون معدل التضخم في الدولة العضو بما لا يقل أو يزيد عن متوسط معدل التضخم في الدول الأربعة بـ 2%، لذا فإنه وفق المعدلات الراهنة فإن المتوسط للدول الأربعه هو 2% تقريباً وبالتالي فإن الهامش المسموح به هو أن يكون المعدل لأي دولة بين الصفر و 4%، وعليه فإن قطر والسعودية لا يتحقق لديهما معيار التضخم.
2- أن معدل نمو القطاعات غير النفطية في قطر في الربع الأول من العام كان سالباً بنحو 3.4%، وحدث نمو بطيئ جداً للائتمان الممنوح للقطاع الخاص في النصف الأول من العام 2010 (بنسبة 2.6% فقط)، وقد حدث ذلك في الوقت الذي ارتفع فيه رصيد الودائع الحرة المستحقة للبنوك لدى المركزي إلى نحو 38 مليار ريالاً بما يشير إلى تفضيل البنوك لهذا النوع من الإيداع والابتعاد عن التوسع في الإقراض للقطاع الخاص. كما تراجع إجمالي الودائع في شهر يونيو عن مايو، وتزامن ذلك كله مع انكماش حجم التداولات في بورصة قطر منذ شهر يونيو الماضي بحيث تدنى المتوسط اليومي إلى أقل من مائة مليون ريال في الأسبوع الثاني من أغسطس.وهذه المعطيات جميعها توجب تغييراً في السياسة النقدية للمركزي بما يساعد على تنشيط عمل البنوك باتجاه زيادة الإقراض للقطاعات الاقتصادية.
ثالثاً: أن المعيار النقدي الثاني من معايير تحقيق الاتحاد النقدي ينص على ضرورة تقارب معدلات الفائدة قصيرة الأجل في الدول الأعضاء، ورغم أن هذا المعيار متحقق بالنظر إلى أن المعيار يشترط أن لا يقل المعدل في أي بلد أو لا يزيد عن 2% عن متوسط المعدلات في الدول الأعضاء، إلا أن المعدل في قطر كان الأعلى مقارنة بمثيلاته في الدول الأخرى، وهو ما كان يستوجب خفض المعدل في قطر إلى 1.5% ليقترب من بقية المعدلات.
هذه كلها مبررات تصلح كي تكون مبرراً للخطوة التي اتخذها المركزي بشكل بدا أنه مفاجئ للكثيرين، وإن كان الأمر بالنسبة لي لم يكن كذلك؛ إذ توقعته منذ عدة أسابيع على ضوء المعطيات التي أشرت إليها والتي تحدثت عنها في أكثر من مقال سابق. فقد أشرت في مقال سابق يوم 4 يوليو الماضي إلى ضرورة إجراء تغيير في السياسة النقدية حتى لا يظل معدل التضخم في قطر سالباً. ولعلني في هذا المقام أُشيد بقرار المركزي واعتبره خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لتعديل الخلل الذي طرأ على بعض معطياتنا الاقتصادية. ولكن هذه الخطوة المهمة لا تكتمل بمفردها وفي رأيي لا بد من إجراء تخفيض على سعر فائدة الإقراض من المصرف التي أبقاها المركزي مرتفعة عند مستوى 5.5%، وذلك حتى لا يظل الفرق بين معدلي الإيداع والإقراض عند مستوى 4%. الجدير بالذكر أن هذا الفارق ظل لسنوات طويلة في حدود عشرة دراهم فقط، ولم يتسع بشدة إلا في السنوات الأخيرة التي حدثت فيها الأزمة المالية العالمية، وتحديداً منذ عام 2007.