اكتتاب الشركات العائلية .... كثير من المبالغة !

09/08/2010 2
محمد الزريبي

خلال السنوات الماضية قام عدد من الكتاب الاقتصاديين بكتابة عدد من المقالات بخصوص اكتتاب الشركات العائلية وأحقية الملاك بعلاوة الإصدار و"التخارج" حتى وصل الموضوع لمجلس الشورى، وعليه طالب أعضاء في مجلس الشورى هيئة السوق المالية بالنظر في إمكانية دخول مقيمين مصرح لهم لمزاولة مهنة التقييم لتقدير مبلغ علاوة الإصدار والقيمة الفعلية المستحقة لأسهم الشركات قبل طرحها للاكتتاب العام في السوق المالية، وألا تعتمد الهيئة في هذا الخصوص على ما تقدمه الشركة من معلومات تتسم أحيانا بكثير من المبالغة!!

وبناء على ما سبق فقد قررت الرجوع لنتائج الشركات العائلية المدرجة - وهي الشركات التي تملك العائلة المؤسسة 50% أو أكثر من أسهمها وتم طرح ما لا يقل عن 30% من خلال اكتتاب عام [1] –  وقياس تطور الشركة من خلال تعظيم القيمة الكلية للمساهمين من توسعات إنتاجية أو جغرافية وزيادة في الأرباح .... الخ.

منذ أكتوبر 2004 تم طرح أكثر من 60 شركة للاكتتاب العام في السوق السعودي بقيمة كلية تتجاوز 75 مليار ريال، حيث تشكل الشركات المؤسسة حديثا وبدون علاوات إصدار أكثر من 50% من إجمالي القيمة الكلية للاكتتابات بقيمة إجمالية تصل لـ 38.3 مليار ريال. وعند التدقيق في عدد وقيمة اكتتاب الشركات العائلية يتبين أن عدد هذه الشركات ونسبتها من إجمالي مبالغ الطرح في نزول، ويوضح الجدول التالي عدد هذه الشركات وقيمة الاكتتاب سنويا.

وعند الرجوع للقوائم المالية المدققة السنوية لهذا الشركات يتبين للقارئ أن نمو صافي الدخل المجمع لهذه الشركات بمعدل سنوي متراكم نسبته 15% بين الأعوام 2005 – 2009م، حيث بلغت 2,300 مليون ريال في نهاية 2009م. ويعتبر هذا النمو كبير بجميع المقاييس مقارنة بنتائج الشركات المدرجة في السوق السعودي، التي تقلصت بنسبة 23% خلال نفس الفترة.

ولكن هل يمكن الاعتماد على نتائج 2009م كقياس في ظل تأثيرات الأزمة المالية العالمية على نتائج الشركات المدرجة؟ وعليه قمت بحساب معدلات النمو السنوي المتراكم بين الأعوام 2005 – 2008م، حيث تمكنت الشركات العائلية المدرجة حديثا من الوصول لـ 28% مقارنة بنمو قدره 18% لصافي الدخل المجمع لجميع الشركات المدرجة في السوق السعودي. كما قمت بمراجعة النمو في حقوق المساهمين لنفس الفترة وباستخدام نفس الطرق وعليه كانت النتائج كالتالي

ولكن السؤال هو لماذا هذا التباين في معدلات النمو؟ وهل لملكية الشركات هذا التأثير؟ وهل يمكن للمستثمر تبرير علاوات الإصدار للشركات العائلية وهل المعلومات تتسم بالمبالغة في ظل هذه النتائج؟

يتبين من النتائج السابقة أحقية هذه الشركات في الدخول لعالم الشركات المدرجة حيث قامت بتعظيم القيمة الكلية لجميع المساهمين من خلال الاستخدام الأمثل لمصادر التمويل من حقوق المساهمين والقروض والمطلوبات لزيادة أرباح الشركة بمعدلات تفوق الشركات المدرجة الأخرى خلال مختلف الظروف الاقتصادية وفي جميع النشاطات من تجزئة وصناعات غذائية واستثمار صناعي وتشيد وبناء ونقل.

وفي اعتقادي أن العوامل التالية قد مكنت هذه الشركات العائلية من الوصول لمعدلات نمو مرتفعة والتفوق عن باقي الشركات المدرجة:

- وجود ثقل العائلة المؤسسة في مصدر القرار وتمثيلها في مجلس الإدارة - الفصل الجزئي بين الملكية والإدارة والمحاسبة الفعالة لإدارة الشركة - قيام مساهمو الأقلية والمهتمين بالتعليق على نتائج الشركات ومراجعة قراراتها وإعلاناتها - المراقبة الفعالة من هيئة السوق المالية وغيرها من الجهات الحكومية ذات الصلة

أما سؤال علاوات الإصدار فهو مبني على الطرق المستخدمة لتحديد هذه العلاوة من قبل المستشار المالي للشركة، حيث يتم ذلك باستخدام عدد من الطرق منها خصم المتدفقات النقدية المستقبلية بناء على الخطة المستقبلية للشركة ومكررات الربحية وغيرها للسوق السعودي والقطاع المستهدف ومكررات الربحية للشركات المماثلة في الأسواق العالمية.

وتعتبر هذه من الطرق المعترف بها عالميا ويتم تدريسها في الجامعات كأحد أساسيات علم المالية، وعليه هل الاعتراض على طرق التقييم أم على نتائج هذه الطرق؟ وهل لتقييم الشركات السعودية "خصوصية" كذلك!! قبل الإجابة أرجو الأخذ بالاعتبار أن القيمة السوقية الكلية لهذه الشركات قد زادت بنسبة 26% من 32 مليار ريال عند الاكتتاب لتبلغ 40.4 مليار ريال بحسب النشرة الأسبوعية لتداول في 21 يوليو 2010م.

كما يوضح الجدول التالي التغير في متوسط سعر أسهم الشركات العائلية بعد شهر من الإدراج في تداول

وبحسب نتائج متوسط التغير يتبين أن الشركات العائلية قد أخذت في الاعتبار التخفيض في سعر الطرح مقارنة بالسوق لجذب المستثمرين وإنجاح الاكتتاب. كما يوضح الجدول توجها بانخفاض متوسط التغير ليبلغ 11.21% في عام 2008م، وفي اعتقادي أن ذلك بسبب انخفاض مكررات تداول خلال السنوات 2006م – 2008م حيث انخفض مكرر ربح السهم (P/E) لتداول من 15.9 مرة في 2006م ليصل لـ 10.1 مرة في 2008م[2].

أما عن كيفية "التخارج" فقد ذكر عدد من الكتاب أن " الإطار الصحيح لسوق الإصدارات الأولية في جميع الأسواق المالية العالمية (ويشمل ذلك تحول الشركات من ملكية خاصة إلى ملكية عامة) هو من خلال رفع رأس المال وليس إستراتيجية التخارج التي تتم بين المؤسسين والمكتتبين، لأن رفع رأس المال ينطوي على إصدار حقيقي لأسهم جديدة ينسجم تماما مع مفهوم الإصدارات الأولية.

في المقابل، لا تنطوي إستراتيجية التخارج على رفع لرأس المال وبالتالي عدم وجود إصدار لأسهم جديدة، إلا أن هذا المفهوم يصلح لتنفيذ مشاريع التخصيص الحكومية فقط ". ولكن عند التدقيق في هذه الجملة ومقارنة ذلك بأرض الواقع في السوق العالمي يتبين خطأ الكتاب، حيث أن الإصدارات الأولية بحسب التعريف العالمي تشمل التخارج، ويشكل ذلك 24% من إجمالي الطروحات الأولية المالية العالمية بحسب إحصائيات (Dealogic) لسوق الإصدارات المالية العالمية بين الفترة 1 يناير 2006م لـ 1 أغسطس 2010م. حيث يوضح الجدول التالي قيمة الإصدارات العالمية وإستراتيجية التخارج وزيادة رأس المال في السنوات 2006م – 2010م.

ولكن هل كانت الصورة مثالية لجميع الشركات؟ الإجابة هي "لا"، حيث أتت  نتائج شركتين[3] - والتي تشكل 18% من العينة المستخدمة – أقل من توقعات الأرباح وعليه انخفضت القيمة السوقية لهاتين الشركتين بحوالي 50%. حيث خسرت العائلتين المؤسستين حوالي 4.6 مليار ريال سعودي من القيمة السوقية للشركتين كما في 21 يوليو 2010م، مقارنة بمتحصلات اكتتاب قدرها 3.4 ريال سعودي.

إن حجم العينة للشركات العائلية المستخدم والمتوفر (11 شركة) يقل عن الحجم المعياري المستخدم عادة في الاختبارات الإحصائية المعتمدة، إلا أن عدد العينات المتوفرة ونتائجها قد يوضح توجها عاما وأرقام يمكن التمعن في نتائجها ودمتم.

_________________________________

[1]  وتشمل كل من المراعي والعبداللطيف والبابطين والحكير والبحر الأحمر والورق والدريس وبدجت السعودية والمعجل والعثيم وأسترا [2]  تم حساب مكرر ربح السهم لتداول ( إجمالي صافي دخل الشركات المدرجة / إجمالي القيمة السوقية للشركات المدرجة كما في 31 ديسمبر) بحسب التقرير الإحصائي السنوي لتداول. [3]  المعجل والحكير