حقق المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية مكاسب بمعدل 5.5% خلال يوليو الماضي ، وذلك بعد خسائر متوالية لأشهر أبريل ومايو ويونيو من العام 2010، كما حقق المؤشر السعري خلال شهر يوليو نفسه مكاسب – ولو بدرجة أقل – بلغت 1.7%، إلا أن هذا المؤشر ظل خاسراً منذ بداية العام حتى نهاية الشهر المذكور بمعدل 5%، وذلك في مقابل مكاسب بمعدل 8.7% للمؤشر الوزني ، والذي يوضح -وبجلاء - الأداء الإيجابي للأسهم الكبيرة التي يعكسها المؤشر الوزني، وذلك بخلاف المؤشر السعري الذي عكس تدهور الأسهم الصغيرة ، والتي هي في معظمها غير تشغيلية وورقية.
وقد صاحب ارتفاع الأسعار نمو ملحوظ في متوسط التداول اليومي بمعدل 38% ليبلغ 35.6 مليون دك لشهر يوليو في مقابل 26.6 مليون دك لشهر يونيو ، مما يبعث برسالة اطمئنان – ولو أولية – عن تماسك سوق المال الكويتي بعد التدهور الملحوظ خلال الربع الثاني من العام الجاري.
فرص واعدة... ولكن .. !
ولا شك بأن موجة الهبوط خلال الربع الثاني والتي تم كسر الحاجز النفسي المهم خلالها هبوطا - وهو مستوى 6500 نقطة سعرية - قد ساهمت في غربلة المشهد البورصوي من حيث انكشاف عدد أكبر للشركات الورقية والمتعثرة ، وذلك في مقابل توفر فرص لبناء مراكز لمجموعة من الأسهم الواعدة ، ولو بتحفظ وانتقائية شديدة ، حيث نعتقد أن الفرص مواتية للاستثمار في بعض الأسهم التي وصلت إلى أسعار كان من الصعب توقعها، والتي ربما ستحقق مكاسب ملحوظة حتى نهاية العام الجاري ، وتتمتع تلك الأسهم بالمواصفات التالية :
1- إدارة متوسطة إلى جيدة.
2- نشاط يغلب عليه التشغيل.
3- قروض منخفضة أو مرتفعة لكن يتوفر تدفق نقدي مستمر لخدمتها.
4- مكررات ربحية ودفترية مشجعة.
من جهة أخرى ، فإن هناك من وجهة نظرنا، فرصا جيدة متوفرة للسيطرة على شركات متعثرة جزئياً، والتي ليس من الصعب جداً إعادة هيكلتها على مدى عام إلى ثلاثة أعوام ، وبالتالي، تحقيق مكاسب مرتفعة للغاية من تلك العملية، حيث يُتوقع أن بعض الملاك الرئيسيين لتلك الشركات يرغبون بالتخلص منها لسداد ديون والخروج من مستنقع التعثر ، وربما بأي ثمن كان ، مما يولد فرصاً – ولو أنها محدودة للغاية – قد لا تتكرر مستقبلاً لمستثمرين إستراتيجيين متمرسين، وربما هذا ما يتم حالياً ولكن بهدوء وتكتم ، وهو ما يتطلبه الأداء المهني المحترف.
ورغم المؤشرات الإيجابية أعلاه ، إلا أن الهبوط لم يبلغ مداه في حال شريحة من الأسهم ، والذي يتطلب الحذر والدراسة المتأنية لأي خطوة إستراتيجية لبناء مراكز استثمارية كبيرة وطويلة الأجل.
احذروا المؤشرات المضللة ...
هناك عدة مؤشرات يعتمد عليها في تحديد وضع الأسهم من حيث مدى المبالغة في أسعارها من عدمه، ومنها مضاعف سعر السوق إلى الربحية ( P/E )، ومضاعف سعر السوق إلى القيمة الدفترية ( P/B ) ، ولا شك بأهمية تلك المؤشرات، لكنها أولية ومن الصعب الاعتماد عليها وحدها في تحديد مدى جاذبية الأسهم ، حيث يجب استبعاد الأرباح الغير تشغيلية أو الاستثنائية عند حساب مضاعف سعر السوق إلى الربحية ( P/E )، كما يجب معرفة حقيقة رصيد حقوق المساهمين، والذي يؤثر جذرياً في حساب مضاعف سعر السوق إلى القيمة الدفترية (P/B)، وذلك من حيث الاحتياطيات، والتي تضخمت بشكل حاد لدى شريحة عريضة من الشركات جراء التقييمات المشبوهة للموجودات خلال فترة الرواج، مما أدى إلى رفع القيمة الدفترية لتلك الأسهم بشكل غير مبرر، وبالتالي، خلق انطباع مضلل للغاية لدى المتداولين العاديين بأن أسعار تلك الأسهم مغرية بالمقارنة مع قيمتها الدفترية، وهو مناقض لحقيقة الوضع وجوهر الأمر.
ولا شك بأن استبدال المبدأ المحاسبي التقليدي لتقييم الموجودات، والقاضي باعتماد سعر السوق أو التكلفة أيهما أقل من خلال معيار التقييم وفقا للقيمة العادلة خلال السنوات الخمس الماضية على الأقل، قد أدى - أي هذا الاستبدال - إلى فتح أبواب التلاعب على مصاريعها بشكل مخيف للغاية ، وفي ظل ضعف الرقابة والتنظيم سواء من إدارة البورصة أو من وزارة التجارة، وإلى حد ما البنك المركزي،وذلك لتزوير حقيقة المراكز المالية، والذي يؤثر مباشرة على أرصدة حقوق المساهمين التي يتم استخراج مؤشرات مهمة وحساسة منها.
الثالوث القذر !
وقد حدثت ممارسات غير أخلاقية للغاية أثناء فترة الطفرة ( 2003 – 2007 ) ، وذلك من حيث تضخيم الموجودات والأرباح، والاحتياطيات بالتبعية، وكان حجم تلك الممارسات بالعشرات من حيث تضخيم قيمة العقارات أو الاستثمارات أو الموجودات غير الملموسة وغيرها،فعلى سبيل المثال: يكون تقييم عقار معين 10 ملايين دك في بداية العام ، ويصل " بقدرة قادر " إلى تقييم " عادل " بمبلغ 50 مليون دك منتصف العام، ومن ثم يتم يُختم العام المالي بتقييم ذلك العقار " الأسطورة " بمبلغ 100 مليون دك، وذلك في ظل ثبات المتغيرات الاقتصادية العامة أو حتى حدوث ارتفاع في أسعار العقار بمعدل 25% خلال ذلك العام كأقصى تقدير، ويتم ذلك التقدير الفلكي من خلال " ثالوث قذر " محوره الأول إدارة شركة ساقطة، ومحوره الثاني مُقيّم مرتشٍ، ومحوره الثالث مدقق حسابات منحطّ، وتقوم الجهة الرسمية المعنية " بتعميد " جهود ذلك الثالوث – من حيث تعلم أو لا تعلم – من خلال المصادقة – إن لم نقل المباركة – للجهد الشيطاني المنظم ، والذي ينتج عنه ارتفاع السهم المعني 100% على الأقل خلال فترة قصيرة للغاية، وبالتالي، فبقية القصة معروفة كما يعلم الجميع، وذلك حتى لا نطيل!
ولا بد لنا أن نقترح حلاً حتى لا يكون انتقادنا للوضع كلاماً مرسلاً أو لمجرد الانتقاد كما هو حال الجميع إلا من رحم الله ، حيث نرى إمكانية ضبط ذلك الفلتان من عدة محاور، منها: استبدال قانون مزاولة مهنة مراجعة الحسابات الحالي، حتى يكون هناك عقاب مناسب للمخالفات الجسيمة التي يرتكبها بعض المنتسبين لهذه المهنة المهمة والحساسة، كما يجب وضع معايير محاسبية محددة لمكافحة التلاعب والفوضى جراء تطبيق المعايير الدولية دون حسيب أو رقيب، حيث إن المعايير الدولية فضفاضة للغاية حتى تناسب معظم دول العالم، وبالتالى، هي استرشادية في جوهرها، ولا يمكن ترك تطبيقها وفقاً لأمزجة الفاسدين والمتلاعبين كما هو حادث حالياً، حيث يجب سن معايير مناسبة لكل دولة حسب ظروفها وبيئتها لمعالجة المواضيع المحاسبية الجوهرية، بينما يتم ترك المعايير الدولية لتعالج الأمور الثانوية والهامشية.
إلى متى التخلف ؟
لا زال الوضع التنظيمي والرقابي في سوق الكويت للأوراق المالية دون المستوى المطلوب، وذلك رغم الحد - مؤخرا - من عمليات التداول الوهمي الذي كان طاغياً خلال السنوات الماضية حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، والذي يجب أن يُسجل لصالح إدارة السوق، وإن كان تطورا خجولا بالمقارنة مع الإخفاقات الكبيرة والمتعددة .
ومن تلك الإخفاقات، أن المعلومات المهمة والحساسة لبعض الشركات الكويتية المدرجة يعلن عنها في سوق دبي المالي تحديداً، كون تلك الشركات مدرجة هناك، سواء تمثلت تلك المعلومات في إعلان رسمي للتعثر أو استقالة مسئول كبير وغيرها من المتغيرات المفصلية ، والتي يجب أن يفصح عنها في البورصة المدرجة بها الشركات المعنية أساساً، حيث أصبحت بورصة الكويت والمتداولون بها آخر من يعلم بتلك المتغيرات ، بينما يجب أن يكونوا هم أول من يعلم، فقد ينتج عن تعطيل مبدأ الشفافية من هذا الجانب خسائر كبيرة غير مبررة لفئة من المتداولين مقابل مكاسب غير مشروعة لفئة أخرى.
ولا شك بأن إدارة البورصة الكويتية مطالبة باتخاذ إجراءات فورية للإفصاح عن المتغيرات المهمة والحساسة بما يتعلق بالشركات المدرجة دون الانتظار لمعرفتها من خلال بورصات أخرى ، ولا يعفي إدارة السوق من تلك المسؤولية الجسيمة عدم تفعيل هيئة سوق المال، والتي أصبحت شماعة عملاقة لتعليق إخفاقات إدارة السوق الحالية خاصة بالظروف الحساسة والحرجة الراهنة، حيث يتم التهرب من معالجة المشاكل والثغرات الملحة والآنية بحجة قرب انتهاء مسؤولية القائمين على البورصة الكويتية بمناسبة قرب تشكيل هيئة سوق المال، والتي ما زالت في علم الغيب حتى الآن.