تحرير سعر صرف اليوان و يد الانقاذ للاقتصاد الامريكي

27/06/2010 3
محمد بهاء الدين

عندما فاجأت الصين الأسبوع الماضي العالم باجمعه بتحرير سعر صرف اليوان او كما ينادونة فى الصين بالرنيمينبي اى (عملة الشعب) ظهرت توقعات كثيرة للاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة حيث انقسم العالم الى فريقين الاول يري ان عمله الصين ستعود للارتفاع بعد الضغوط الكبيرة على قيمتها امام الدولار الامريكي بعد التحرير الجزئي له عام 2005 وأصحاب هذا الاتجاه هي الدول الأكثر تضررا من اتساع رقعة الصادرات الصينية امام منتجاتها والتى تقودها الولايات المتحدة الامريكية الاكثر تضررا على منتجاتها من التغلغل الصيني وهناك فريق اخري يري ان تحرير سعر صرف اليوان سيعطي للعملة المزيد من المرونة فى التداول فى الاسواق العالمية واستمرار الفرصة امام الدول المستوردة من الصين لدعم موازينها التجارية و منح الصين المزيد من الدعم فى ميزانها التجارى امام الدول الضعيفة والتى لا تستطيع الانتاج او دعم منتجاتها امام الواردات الصينية وان كنت فى هذه المقاله لست فى محل حديث عن ارتفاع او انخفاض اليوان امام العمله الامريكية وان كنا نتوقع ان تحرير سعر صرف اليوان سيؤدي الى إرتفاع سعر صرفه امام الدولار ونتوقع ان يصل الى 0.155 دولار او بانخفاض قيمة الدولار امام اليوان ليصل الى 6 يوانات من 6.8 يوان منتصف يونيو الجارى ولكن مجري حديثنا هنا مدي حقيقة تحرير سعر صرف اليوان و هل هو مفيد ام ضار للاقتصاد العالمي وسأكون اكثر تركيزا على مدي نفعة للاقتصاد الامريكي من عدمه وهنا نود ان نركز على العديد من القضايا.

أولا: تناقض أرقام العجز التجاري المتبادل بين الصين والولايات المتحدة الامريكية فمنذ منتصف ثمانينات القرن الماضي حتى الربع الاول من عام 2010 تحقق الصين فائض فى تعاملاتها امام الولايات المتحدة الامريكية ولكن حجم هذه الفوائض فى التعاملات دائما ما تكون وفقا للاحصاءات الصينية  اقل من الاحصاءات الاتيه من الولايات المتحدة الامريكية ففى عام 2008 كان فائض التعاملات بين الطرفين وفقا للاحصاءات الامريكية 268 مليار دولار بينما كانت وفقا الاحصاءات الصينيه 170 مليار دولار فقط اما فى عام 2009 فقد انخفضت الى 226 مليار دولار وفقا للاحصاءات الامريكيه مقابل 143 مليار دولار وفقا للاحصاءات الصينيةويرجع ذالك إلى:

1- ان الادارة الامريكيه تعتبر المنتجات الصينيه التى تصدر اليها سواء كانت مباشرة او غير مباشرة من الصين صادرات صينيه مباشرة. كما ان الولايات المتحدة تعتبر ان المنتجات التى تنتجها الشركات الاجنبيه العامله والمنتجه فى الصين صادرات صينية فمثلا شركة نوكيا أكبر منتج للهواتف النقاله فى العالم والتى تخرج من مصانع الشركة الفلنديه من الصين تعتبر صادرات صينية.

2- ان المنتجات صينيه الصنع يكون سعر المنتج الصيني المسجل لدي وحدة الجمارك الصينيه مختلفا عن سعره لدي الجمارك الامريكيه وذلك بالطبع لان وحدة الجمارك الصينيه تسجل تكلفة المنتج قبل تحميل مصاريف الشحن و النقل و التفريغ اما ادارة السجلات فى الولايات المتحدة تسجل المنتج بعد تحميله بكل هذة التكاليف فمثلا الجهاز الذي تنتجه فيلبس للالكترونيات فى الصين و الذي يتكلف 20 دولار سعرها لدى الجمارك الامريكيه 50 دولار وهو السعر الشامل تكاليف النقل و الشحن والتامين على المنتج و الخدمات التجاريه الاخري و التى لا تستفيد منها الشركات الصينيه

ثانيا: العلاقة بين سعر صرف اليوان الصيني و الميزان التجارى الامريكي الصيني بعد الضغوط التى واجهتها الادارة الصينية من ادارة جورج بوش الابن ادي الى تحرير سعر صرف اليوان امام الدولار عام 2005 وقد ادي الى ارتفاع ما يقرب من 20% من قيمته امام الدولار الامريكي ارتفع ما يقرب من 29% امام العمله الاوربية الموحدة كما ان اليوان لم يتاثر مثل جميع العملات الرئيسيه بالازمة الماليه فقد ارتفع خلال الفترة من منتصف عام 2008 حتى الان امام اليورو بنسبة 29% اما امام الدولار فقد ارتفع ما يقرب من 1.3 % هذا ما أدي الى ارتفاع قيمة الواردات الى الصين من اكثر من 15 دوله فى حين ان صادرات الدول الاوربيه قد تراجعت بنسبة تتخطى 20% و قد سجلت الصادرات الالمانيه للصين اكبر رقم فى تاريخ التبادل الصيني الالمانى ليصل الى ما يربوا عن 75 مليار يورو اما الصادرات الامريكية فقد انخفضت بنسبة 17 % خلال العام الماضي.

إلا ان جميع المتغيرات و المؤشرات تدل على ان الصين اصبحت من اكبر الاسواق الاستهلاكيه الرئيسيه لمنتجات العديد من الدول المحيطه بها مثل كوريا الجنوبية و اليابان و تكتل  دول الاسيان كما ان الشركات الاوربيه و الامريكيه وجدت بها سوقا مهما لمنتجاتها و من هنا يمكن القول بان تخفيض سعر صرف اليوان ليس له التاثير الكبير على اختلال العلاقه التبادليه فى الميزان التجارى الصيني الامريكي.

و السؤال الهام الان هل تحرير سعر صرف اليوان سينقذ الاقتصاد الامريكي ام ان مشاكل الاقتصاد الامريكي تحتاج لحزمة اكبر من الحلول؟؟ مع متابعة العجز التجارى بين الاقتصاد الامريكي و بين الدول الاخري فمنذ عام 2008 قد بلغ العجز التجارى الامريكي ما يربو الى 700 مليار دولار و تراجع عام 2009 الى 383 مليارا دولار نتيجة السياسات التى انتهجتها الادارة الامريكي الجديدة بعد تولى اوباما مقاليد الحكم الا ان هذه السياسة بدأت فى الخفوت مما ادي الى عودة ارتفاع العجز التجارى الامريكي خلال الربع الاول من العام الحالي ليصل الى 113 مليار دولار معظمها مع كندا و المكسيك و الاتحاد الاوروبي و اليابان و الصين.

و من هنا فان السبب الرئيسي للعجز التجارى هو الهيكل الصناعى الامريكي فالاقتصاد الامريكي قائم على الاستهلاك و مع ارتفاع تكلفة الانتاج داخل الولايات المتحدة الامريكية فقد تحول التصنيع الى دول اخري اقل تكلفة لذا فان السبب الرئيسي فى العجز التجارى الامريكي عموما هو انخفاض الانتاج الصناعى و ارتفاع الهيكل الاستهلاكي اما القطاع الخدمي الامريكي و الذي كان مزدهرا لفترة طويله فانه فى حاله ركوده او كساده فان القطاع الصناعى لايستطيع توفير وظائف لتغطيه هذة الزيادة الكبيرة فى البطاله كما ان التقاريرو الابحاث قد توصلت الى ان العمال الذين يتم تسريحهم من القطاع الصناعى لا يقبلون على العمل فى القطاع الخدمي بسبب اختلاف طبيعة العمل و انخفاض دخول العالمين فى قطاع الخدمات.

و مع متابعة اداء الاقتصاد الامريكي خلال الازمة فقد ارتفعت البطاله من 5.5% منتصف عام 2008 الى 10.2% فى نوفمبر 2009 ثم 9.7% فى يونيو الحالي اى انها تتجاوز مستوى 6.5% التى وصل اليها خلال عام 2006 وحسب التقارير نرى ان القطاع الصناعى فقد 50 الف وظيفة و قطاع البناء فقد 60 الف وظيفة اما قطاع الخدمات فقد مايقرب من 150 الف وظيفة وما يقرب من 10 الاف وظيفه فى قطاع التجارة و 10 الاف وظيفة فى قطاع الترفية و 50 الف وظيفة فى القطاع الحكومى اى ان قطاع الخدمات اكثر القطاعات تاثرا وهو الذي شهد اكبر الانخفاضات فى حجم التوظيف ومن هنا فان خفض العجز التجارى الصيني لا يؤثر على حجم العماله تاثيرا مباشرا.

ومن هنا فان الهيكل التجارى و الصناعى الامريكي هما لسبب الرئيسي للعجز التجارى كما ان التغيرات الاقتصادية الكليه و قوة الانتاج و تغير اسعار المدخلات الاساسية من العوامل المهمه الى تؤثر على التوازن التجارى كما ان التجارب السابقه توضح لنا انه فى منتصف ثمانينات من القرن الماضي فقد رفعت اليابان قيمة عملتها امام الدولار الامريكي و لكن العجز التجارى الامريكي امام اليابان ظل مرتفعا.