قبل فترة قريبة صدر تقرير عن شركة المركز المالي الكويتي "المركز"، والذي قام فيه ببحث أداء جميع الصناديق الاستثمارية في السعودية ومنطقة الخليج. وكانت نتيجة التقرير أن غالبية الصناديق الاستثمارية في المنطقة تمكنت من التغلب على أداء الفئة الاستثمارية والمؤشر الذي تستثمر فيه (والذي يُقاس بواسطة المؤشر الإرشادي)، على الرغم من التباين بين صندوق وآخر في حجم التفوق على المؤشر.
وتناقلت هذا التقرير مجموعة من وسائل الإعلام العالمية، بزخم كبير، ومن ضمنها صحيفة "الفاينانشيال تايمز" التي نقلت خبراً عن الموضوع في الأسبوع الماضي. وكان مفاد الخبر أنه على الرغم من صعوبة تغلب الصناديق على المؤشر في معظم أسواق العالم المتقدم والتي تتمتع بكفاءة عالية، إلا أن مديري الصناديق في منطقة الخليج تمكنوا من ذلك على نحو معتاد، ما يعني أنهم من أكثر مديري الصناديق تحقيقاً للقيمة المضافة.
هذا يرجع بشكل كبير إلى عدم كفاءة هذه الأسواق (بالمفهوم المالي للكفاءة) حيث يكون بمقدور جهة ذات موارد مالية وبشرية أكبر كالشركات الاستثمارية الوصول إلى المعلومة الصحيحة واتخاذ القرار الاستثماري المناسب بناء عليها.هذا الأداء جعل مديري الصناديق في منطقة الخليج محط أنظار مختلف أقطار العالم من حيث قدرتهم على تحقيق القيمة المضافة والتغلب على أداء المؤشر.
ولكن من المفارقات أن عموم المستثمرين الخليجيين في الوقت ذاته لا يزالون يشككون في أداء مديري الصناديق في منطقة الخليج، ولكن ذلك قد يرجع إلى سوء فهم دور مدير الصندوق. فكثير من عموم المستثمرين كانوا يتوقعون من مدير الصندوق أن يحقق عائداً أفضل من السوق في سنوات الرخاء وألا يحقق أي خسارة في سنوات الجفاف.
وذلك الاعتقاد قد يكون عائداً لخطأ كثير من موظفي المبيعات في الشركات الاستثمارية الذين باعوا صناديق الأسهم على أنها استثمارات مضمونة أو شبه مضمونة. ولكن الواقع أن هدف مدير الصندوق هو تحقيق ربح أكبر في سنوات رواج السوق وخسارة أقل في سنوات الانخفاض (وليس انعدام الخسارة)، وهو بالفعل ما تمكنت معظم الصناديق من تحقيقه عبر الأعوام الماضية.
أما تجنب الخسارة تماماً فهو أمر صعب، لأنه ليس بوسع مدير الصندوق الانسحاب تماماً من السوق أو الاستثمار في سوق آخر حتى ولو كان السوق قد ارتفع إلى مستويات عالية، لأن ذلك ممنوع بموجب شروط الصندوق وأحكامه والقرار بشأنه متروك للمستثمر نفسه عن طريق الانسحاب من الصندوق أو الانتقال إلى صندوق يستثمر في سوق آخر. وعلى الرغم من أن عموم المستثمرين لا يزالون يتشككون في مديري الصناديق وأدائهم، إلا أننا نجد كبار المستثمرين قد تبنوا الاستثمار عبر مديري الصناديق بوتيرة متسارعة.
لذا نجد أنه على الرغم من سحوبات الأفراد من الصناديق الاستثمارية عبر الفترة الماضية، إلا أن عدد وحجم المحافظ الخاصة التي تديرها الشركات الاستثمارية ومديرو الصناديق لكبار المستثمرين في ازدياد مستمر، حتى إنها أضحت أكبر حجماً من مجموع أحجام الصناديق الاستثمارية ككل.
وهذا فيه دلالة على أن أصحاب الثروات في اقتناع متزايد بقدرة مديري الصناديق. فإذا كان الحال كذلك لأصحاب الثروات ذوي الموارد المالية والبشرية الكبيرة، فمن باب أولى أن ينحو المستثمرون الأفراد منحاهم نظراً لانخفاض الميزة النسبية لديهم.
ومن العرض السابق تتضح لنا النتائج التالية:
- إن الصناديق الاستثمارية تمكنت في معظم الأحوال من تحقيق قيمة مضافة عن طريق التغلب على أداء السوق بشكل عام، ما جعل مديريها محل اهتمام للمستثمرين الخارجيين ولكبار المستثمرين في الداخل، ما يؤيد الاستثمار معهم بالنسبة للمستثمرين الأفراد.
- إن مدير الصندوق، وإن كان جيداً، لن يتمكن من تجنب انخفاض السوق تماماً، وإن تمكن من تخفيف حدته على أدائه، هذا يعني أن على المستثمر الحرص على التنويع بين صناديق تستثمر في فئات استثمارية وأسواق مختلفة، وعلى لعب دور أكثر في اختيار الفئات الاستثمارية أو الأسواق التي سيكتب لها الرواج في الفترات المقبلة، بدلاً من التركيز فقط على انتقاء الأسهم ضمن سوق واحد (وهو الأمر الذي يمكن لمدير الصندوق ممارسته بشكل أفضل).