وصلني هذا السؤال من صديقي على الفيس بوك الأخ مساعد الشطي، وذلك تعليقا على مقال"مؤشرات الدين العام". يقول مساعد:
مقال ممتاز دكتور و عندي بعض الأسئلة قد يبدو بعضها غبي فاستحملني:)
1- هل توجد دولة لديها دين عام يساوي صفر؟ لو وجدت هل الفكرة حكيمة؟؟
2- البرتغال كما قرأت حصلت على أعلى معدل ناتج محلي إجمالي هذه السنة مقارنة مع بقية دول أوربا, لكن هناك من يقول بأنها مهدده بنفس مصير اليونان فكيف ذلك؟
3- الدعم الذي تلقته اليونان من ألمانيا و فرنسا يصنف تحت أي بند؟ دين أم إعانة أم ماذا بالضبط؟
شكرا لتحملك لنا:))
شكرا مساعد
لا يوجد في العالم سؤال غبي، بالعكس أسئلتك تنم عن فهم عميق، وهذه إجاباتي على هذه الأسئلة.
بالنسبة للسؤال الأول، كل دول العالم لا بد وأن يكون لديها دين عام شاءت أم أبت، حتى أكثر دول العالم غنى لا بد وأن تصدر سندات للدين العام، وبمعنى آخر لا يوجد دولة في العالم دينها العام صفرا. في مقال مؤشرات الدين العام شرحت لماذا تلجأ الدول إلى الاقتراض وإصدار سندات للدين العام. في ردي على سؤالك سوف أشرح لماذا كل دول العالم، حتى الغنية منها لا بد وأن تقترض بسندات للدين، حتى ولو كانت في غير حاجة إلى ذلك، وابسط مثال على ذلك الكويت.
الكويت دولة غنية واستثماراتها الخارجية في كافة دول العالم وهي دولة دائنة لعدد كبير من دول العالم، وتحقق ميزانيتها العامة فائضا ضخما كل عام، ومع ذلك فحكومة الكويت لديها دين عام وهي مضطرة إلى أن يكون لديها دين عام، لأنها في حاجة إليه، على الرغم من أنهادائنة لدولة العالم. هناك 3 أسباب على تدفع بحكومات العالم لإصدار سندات للدين العام، حتى ولو كانت ميزانياتها العامة تحقق فوائض.
1- السبب الأول هو أن النقود الورقية التي تصدرها دول العالم لم تعد تغطى بالذهب، كما كان سابقا، النقود التي تصدرها البنوك المركزي في دول العالم حاليا تغطى حاليا إما بسندات الدين العام، أو بالقروض المخصومة للبنوك، هذا طبعا بالإضافة إلى بعض الأصول الأخرى مثل العملات الأجنبية والذهب. وتمثل السندات الحكومية في عالم اليوم الغطاء الأساسي الذي يستخدمه البنك المركزي لإصدار النقود، ومن ثم فعندما يرغب البنك المركزي في أي دولة في العالم في زيادة الكميات المطبوعة من النقود، فلا بد وأن تقوم الحكومة بإصدار سندات دين، يقوم البنك المركزي بشرائها وإصدار النقود في مقابلها، وعلى ذلك فإن كل دول العالم لا بد تصدر سندات دين عام لتستخدم في تغطية النقود التي يصدرها البنك المركزي فيها.
2- السبب الثاني هو أن سوق الائتمان الأساسي القصير الأجل في الدولة هو سوق ما بين البنوك، أو قروض ما بين البنوك، وتلجأ البنوك للاقتراض من بعضها البعض في حال تعرضها لمشاكل سيولة مؤقتة بسبب نقص احتياطياتها عن المستويات المحددة من قبل البنك المركزي. ومعلوم ان البنوك التجارية في كافة دول العالم تخضع لما يسمى بمعدل الاحتياطي القانوني، وهو حد أدنى في صورة نسبة من المودعات التي لا بد وأن تحتفظ بها البنوك لمواجهة احتمالات السحب غير الاعتيادي من قبل العملاء حتى لا تتزعزع الثقة في الجهاز المصرفي.
ومن ثم فإن كل بنك تجاري لا بد وأن يتأكد من أنه، وبشكل يومي، يحتفظ باحتياطيات (نقود سائلة) تعادل نسبة الاحتياطي القانوني، على الأقل، فإذا قلت نسبة السيولة المتواجدة لدى البنك عن المعدل القانوني، فلا بد من أن يدبر البنك هذه الفروق من خلال الاقتراض من بنك آخر، وتتراوح مدة هذه القروض في أغلب الأحوال بين ليلة إلى 14 ليلة. ولكن البنوك وعند قيام البنوك بالاقتراض من بعضها البعض فلا بد وان يقدم البنك المدين رهنا إلى البنك الدائن في مقابل القرض، وعند السداد يتم إعادة القرض واسترداد الرهن، وهو ما يطلق عليه اتفاقيات إعادة الشراء (أ إعادة شراء الرهن).
الرهن الأساسي الذي يستخدم في قروض ما بين البنوك هو السندات الحكومية.معنى ذلك أنه حتى ولو لم تكن الدولة في حاجة إلى الاقتراض فإنها لا بد وان تصدر سندات حكومية وتكون دينا عاما لها، حتى تسهل على البنوك مهمة الاقتراض من بعضها البعض لمواجهة مشكلات نقص السيولة الطارئة.
3- السبب الثالث، هو ان البنوك عندما تواجه مشكلة نقص في السيولة لا تستطيع ان توفرها من خلال الاقتراض من البنوك التجارية الأخرى في سوق ما بين البنوك، فإنها تلجأ إلى البنك المركزي لتحصل على قروض، تسمى القروض المخصومة، هذه البنوك المقترضة لا بد وأن تقدم إلى البنك المركزي رهنا أيضا في مقابل عملية الاقتراض، الرهن مرة أخرى يكون سندات حكومية، معنى ذلك أيضا أن الحكومة لا بد وان تقوم بإصدار سندات تشتريها البنوك بهدف استخدامها لاحقا كرهن لقروضها من البنك المركزي عندما تستدعي الحالة ذلك.
الخلاصة هي أن كفاءة عمل النظام المالي تقضي إذن ان يكون هناك دين حكومي، وبالتالي لا يوجد نظام مالي حديث في العالم بدون وجود دين حكومي.
بالنسبة للسؤال الثاني، الوضع في البرتغال بالفعل مقلق، ولكننا لم نصل بعد إلى اللحظة الحرجة التي تصل فيها الحالة في البرتغال إلى أن تشكل تهديدا للأسواق يستدعي التدخل على النطاق الذي تم في اليونان، ما حدث مع اليونان كان بهدف منع اليونان من السقوط وإعلان إفلاسها لان الوضع كان حرجا جدا.
والوضع أيضا مثير للقلق في اسبانيا التي تحاول ان تتبنى خطة تقشف للحيلولة دون تدهور أوضاعها المالية على النحو الذي حدث في اليونان، وكذلك الوضع مقلق في المجر.
بالنسبة للسؤال الثالث، الدعم الذي تلقته اليونان هو عبارة عن حزمة قروض بشروط سهلة (قياسا إلى مستوى المخاطر المصاحب لإقراض هذه الدولة) تم تقديمها من قبل الدول الأوروبية وصندوق النقد الدولي وذلك في إطار برنامج للتثبيت والاستقرار الاقتصادي تحت إشراف صندوق النقد الدولي، ويهدف هذا البرنامج لمساعدة اليونان على الخروج من أزمتها.
تحياتي مساعد.
مبدع بشرحك دكتور محمد..
مااروعك دكتور بارك الله فيك ونفع بعلمك
الفاتيكان يمكن
many thanks Dr. Mohammad
مبدع كعاااااادتاك يادكتور
شكرا يادكتور
د. محمد, هل ممكن ان ينطبق عنوان مقالتك المتميز, على التجار الصناعيين؟؟؟. وشكرا لك
غاية في الثقافة الاقتصادية يا دكتور " محمد " .. أنت تعشق الاقتصاد كعلم وهنيئاً لك الاستمتاع به .. حقيقة دائماً ما تثري ثقافتنا الاقتصادية ورغم ذلك التفصيل التي تفضلت بهِ لأسباب الدين السيادي إلا أنه ذكرني من جديد بما قاله العرب في موروثهم وبالتحديد عندما قالوا : ( كالمستجير من الرمضاء بالنار ) .. في الحقيقة أنني أستغرب أشد الاستغراب تلك الورطة التي ورط الغرب أنفسهم بها وجروا العالم لحالات القلق الشديد .. الغريب العحيب أنها في نطاق صاعد مع السنين وكأنهم بلا حيلة في أمرهم وليس لهم إلا هذا الطريق الذي لا ينبئ عن نهاية سعيدة أبداً لكل ذو لب . تحياتي وتقديري,,
جزاك الله خير والف شكر يادكتور