شهدت الأسواق العالمية في مايو أقسى وأصعب شهر لها منذ أواخر عام 2008، حيث تصاعدت أزمة الدين الأوروبية مما مهد الطريق أمام هجمة عالمية من أجل تقليص التعرض للمخاطر في معظم فئات الأصول، ومن ضمنها السلع.
وقد اصلت الملاذات الآمنة، مثل الذهب والدولار الأمريكي وسندات حكومية معينة، جذبها اهتمام المستثمرين الذين يتدافعون لتقليص تعرضهم في الأصول الأكثر خطرا. وكانت البيانات الاقتصادية خلال هذا الشهر مواتية بشكل عام، ولكن المستثمرين فشلوا في التصرف بناءً على هذا. وزادت البيانات الأمريكية احتمال أن يصبح الدولار عملة نمو، حيث يبدو مرجحاً أن الاقتصاد الأمريكي سيقود المسيرة متقدما على أوروبا واليابان.
وواصل اليورو انخفاضه الحاد، ليصل في بعض الأحيان إلى ما يشبه حالة من الاستسلام، قبل أن يوقف الدعم الحاسم عند مستوى 1.2135 أمام الدولار الأمريكي هذا التحرك ويسود التعامل المتذبذب حتى نهاية الشهر. إن حدوث انخفاض دون هذا المستوى- وهو ما يمثل تصحيحا بنسبة 50 في المائة مقارنة بالارتفاع الذي شهده اليورو خلال الفترة بين عامي 2000 و2008 - من شأنه أن يطلق تحركاً آخر دون مستوى 1.20 دولار أمريكي.
وفقد مؤشر رويترز جيفريز سي آر بي أكثر من 8 في المائة خلال شهر مايو، وهو ما يمثل أكبر تراجع شهري للمؤشر منذ نوفمبر 2008. وبعض الأسواق التي كانت الأكثر تفضيلاً صارت الآن الأقل تفضيلاً، حيث أدى ضغطُ البيعِ الساحقُ إلى دفع النفط الخام والمشتقات النفطية والبلاتين والبلاديوم إلى تكبد خسائر تجاوزت 10%.
وقد برز حجم ضعف السوق في الإحصاءات الأسبوعية الصادرة عن هيئة تداول عقود السلع الآجلة، التي أظهرت تراجعا كبيرا في المراكز الطويلة المضاربية في خام وسيط غرب تكساس والبنزين، بينما شهدت المراكز في عقود البلاتين الآجلة في بورصة نيويورك التجارية (نايمكس) أكبر انخفاض أسبوعي على الإطلاق، حيث انخفض المركز الطويل المضاربي بنسبة 38 في المائة خلال هذا الشهر.
وقد عمل المستثمرون بالحكمة القديمة، حيث "باعوا في مايو"، ولكن ما إذا كانوا رحلوا أم لا فهذه مسألة أخرى. إن حجم الانخفاضات السعرية، وتقليص المخاطر، حفز في النهاية تعافياً ضئيلاً، فيما ذهب المستثمرون يبحثون عن فرص شراء بين السلع التي شهدت بيعا مفرطاً. وسوف يظهر الشهر الجديد ما إذا كان هذا الاستقرار الناشئ سيستمر أو ما إذا كان هناك اضطراب سوقي آخر ينتظرنا قريبا، ومن الممكن أن نتوقع صيفا مثيراً للاهتمام وإن كان متقلباً.
فقد النفط الخام ربع قيمته خلال الأسابيع القليلة الأولى من شهر مايو حيث واجه عاصفة بكل ما تعنيه الكلمة من الأخبار السلبية. فالاقتصادات الأوروبية المتباطئة، والشواغل بشأن النمو الصيني، واستمرار التراكمات الكبيرة من المخزونات في كوشنج (نقطة تسليم وسيط غرب تكساس الخاص ببورصة نايمكس) ترك المستثمرين في وضع شديد العرضة للخطر، وأعقب ذلك بيع تصفية بمقدار 22 دولار. بوجه عام، تم إلى حد كبير تجاهل الأخبار الإيجابية للسوق الآتية من الاقتصاد الأمريكي حتى وصلت الأسعار إلى منطقة من البيع المكثف، وهو ما ساعد المستثمرين على إعادة التركيز.
تمكنت العقود الآجلة لخام وسيط غرب تكساس تسليم شهر يوليو من عمل تصحيح بنسبة 38.2 في المائة من بيع التصفية لتبلغ 75.80 دولارا للبرميل قبل أن يوقف النشاط المنخفض الذي سبق نهاية الشهر والعطلات الرسمية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أي مزيد من التقدم. التكهنات بأن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة سوف يستديم التعافي العالمي في الطلب على الوقود سيكون محور التركيز ونحن مقبلون على بيانات البطالة الشهرية المهمة يوم الجمعة المقبلة. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من بيع التصفية الأخير، فإن معظم المتنبئين المهمين ما زالوا يتوقعون وصول أسعار النفط إلى ما فوق 85 دولارا للبرميل في نهاية العام.
من منظور تقني، أعاد هذا الارتفاع الأخير الأسعار إلى مستويات محايدة على مؤشر القوة النسبية، ويمكن أن نتوقع بعض التعزيزالمتذبذب قبل صدور بيانات البطالة. ونوصي بالبحث عن المقاومة عند 75.80 دولارا أمريكيا للبرميل يعقبه مستوى 78.50 دولارا أمريكيا للبرميل، والدعم عند 73.20 دولارا أمريكيا للبرميل يعقبه مستوى 71.25 دولارا أمريكيا للبرميل.
كان الذهب والغاز هم السلعتان الوحيدتان اللتان تمكنتا من إظهار بعض المكاسب خلال مايو الماضي. وقد حدث هذا فيما كان المستثمرون يبحثون عن ملاذ آمن في خضم المشكلات المتصاعدة في أوروبا. وسوف تظل السياسة النقدية الغربية الآن قابلة للتكيف لفترة أطول من أجل دعم نظام مالي هش وهو ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى ارتفاع توقعات التضخم مستقبلا.
وصلت الاستثمارات المالية في الذهب - كما رأينا من خلال شعبية الصناديق المتداولة في البورصة - إلى ذروة جديدة في ظل ارتفاع إجمالي الأرصدة المعروفة من الذهب في صناديق الذهب المتداولة في البورصة بنسبة 8.3 في المائة (أو 5 مليون أوقية) ليصبح إجماليها 63.80 مليون أوقية، في حين أن المركز الطويل المضاربي في قسم كومكس من بورصة نيويورك التجارية (نايمكس) ظل مستقرا عند حوالي 23 مليون أوقية.
ومن منظور تقني نجد أن الذهب يبدو ثابتا فوق مستوى 1200 دولار أمريكي للأوقية بعد أن اجتذب بيع التصفية لتقليص المخاطر في مطلع شهر مايو مزيدا من المستثمرين. وعلى الرغم من أن التوقعات متوسطة المدى تبدو إيجابية، بينما يتوقع أن تصل الأسعار إلى ارتفاعات قياسية جديدة في وقت لاحق من هذا العام، فهناك بعض من عدم اليقين موجود على المدى القريب. إن حجم الاستثمارات التي ضخت في المعدن الأصفر خلال أزمة الديون الحكومية التي تفجرت مؤخرا يزيد من احتمال حدوث بيع تصفية لنعود إلى دعم خط الاتجاه الأطول مدى حول مستوى 1135 دولارا للأوقية.
في الوقت الحالي، نوصي بالاحتفاظ بالمراكز الطويلة فوق مستوى 1198، ونتطلع لمعرفة إلى أي مدى يمكن للزخم الحالي أن يدفع الأسعار. يمكن أن نجد المقاومة عند مستوى 1225 دولارا أمريكيا للأوقية يعقبه المستوى الكبير عند 1250 دولارا أمريكيا للأوقية. أما الدعم دون مستوى 1198 دولارا أمريكيا للأوقية فيمكن أن نجده عند مستوى 1180 دولارا أمريكيا للأوقية.