تراجع المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية خلال شهر مايو بنسبة 6.6% بينما انخفض المؤشر السعري بنسبة أكبر بلغت 8.2%، وبذلك يكون أداء السعري سالباً – ولأول مرة – منذ بداية العام 2010 وفقاً لإقفال نهاية الشهر بمعدل 4.4%، بينما ظل المؤشر الوزني صامدا في المنطقة الموجبة وبمعدل 5.5%، بالرغم من توالي الضربات عليه على خلفية متغيرات سلبية محلية في معظمها، حيث تقهقر من قمته نهاية شهر مارس عند مستوى 441 نقطة إلى مستوى 407 نقطة نهاية مايو بنسبة تراجع بلغت 8%.
من جهة أخرى، انخفض متوسط التداول اليومي بمعدل 51% لشهر مايو ليبلغ 34.6 مليون دك مقابل 70.3 مليون دك لشهر إبريل، ويرجع ذلك التراجع الحاد في التداول إلى عاملين، الأول: تكثيف عملية مراقبة التداول من جانب إدارة السوق، حيث تم استدعاء العشرات من مسؤولي التداول والمحافظ والصناديق، وكذلك الوسطاء وبعض المضاربين، وذلك للتحقيق معهم بشأن تداولات ملفتة أو مشبوهة، مما جعل هؤلاء يعيدون منهجهم السابق في التداول، لعلهم يخترعون أو يبتكرون وسائل أخرى للتلاعب والتضلي، وهذا ما ينطبق على بعض من تم استدعاؤهم، حيث لا يستبعد أن البعض الآخر من الذين تم استدعاؤهم للتحقيق بعيدون عن حلبة التلاعب والتدليس، حيث كان استدعاؤهم للتوضيح والاستفسار.
نسمع جعجعة ولا نرى طحنا! وبالرغم من استدعاء العشرات من مسؤولي تداول الصناديق والوسطاء وغيرهم، إلا أننا لم نر عقابا صارما للمشبوهين يتناسب مع حجم التلاعب المستمر والمتفشي بشكل لم يسبق له مثي، بل إن العقاب عندما جاء للمتلاعبين في شركة المدينة للتمويل والاستثمارجاء جماعياً لكافة المساهمين، وذلك بتعليق التداول لمدة أسبوع، حيث يجب أن ينصب العقاب على الأشخاص المنفذين لعمليات التلاعب، وكذلك المسؤولين عنهم، وهذا مما لا يصعب تطبيقه، حيث إن أوامر التلاعب لا تنطلق لوحدها، ولا يطلقها جميع المساهمين، بل إنها محصورة بعدد محدود جدا ومعروف جيدا من الموظفين أو المسؤولين، والذين يجب أن يحاسبوا بعينهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن تطبيق العقوبة – إذا سلّمنا جدلا بأنها عقوبة – جاء متأخرا للغاية، حيث إن التلاعب حدث في 28/12/2009 بينما تم إقرار " العقاب " في 20/5/2010، أي بعد ما يقارب خمسة أشهر من التدقيق والتحقيق لتلاعب واضح وسافر.
من جانب آخر، لربما كان هذا النوع من العقاب "الأضحوكة" متماشيا مع رغبة المتلاعبين ، وذلك من حيث إن إيقاف تداول السهم المشبوه أثناء انهياره وبدء انكشاف التلاعب في الشركة المعنية يعتبر فرصة لإعادة ترتيب الأوراق وتأخير المساءلة الجادة قدر الإمكان، والذي يعتبر مكافأة ثمينة للفاسدين المسؤولين عن بعض الشركات، بمعنى أنه نعمة وليس نقمة بالنسبة إليهم، حيث إن غاية أمنيات هؤلاء في الوقت الراهن هو وقف تداول أسهم الشركات المسؤولين عنها ، فمَعَ الانهيار ينكشف حجم وحقيقة الإجرام بحق أموال المساهمين الأبرياء والذي اختصر كامل مقومات إحدى الشركات المدرجة بمجرد "كرتون" لا أكثر ولا أقل، والذي كان رمزا للفجور والطغيان من جانب مجرمي سوق المال.
إذا لم تستح ... فاصنع ما شئت! ومع بوادر تشكيل هيئة سوق المال وتشكيل نيابة ومحكمة سوق المال ، ترددت أخبار شبه موثوقة عن تهامس المتلاعبين من خلال شركاتهم -وما أكثرها -لتكوين عامل ضغط " لوبي " لإجهاض هيئة سوق المال ، أو لتعديل بعض موادها خاصة المرتبط منها بالعقوبات، على طريقة المثل القائل: إذا لم تستح... فاصنع ما شئت، وذلك حتى يكون قانون هيئة سوق المال الوليد بمثابة "مسخ" أو حبر على ورق، وتكون الجهة التنظيمية والرقابية الجديدة شاهدة و "بصّامة" على عبثهم السافر ، كما هو الحال لفترة تقارب عقدين من الزمن، حيث إن تطبيق قانون هيئة سوق المال عند إنجاز لائحته التنفيذية ، والتي نتمنى أن ترقى لطموح المخلصين لهذا البلد ستقضي على أحلام "سرّاق البورصة" بمواصلة عملية النهب المنظم والمتقن ، ولا شك أن إيقاف هؤلاء المخربين عند حدهم يستلزم تعيين أمناء وأكفاء على سدة هيئة سوق المال، وهو مربط الفرس في هذا الموضوع المفصلي والمصيري.
أعضاء مجلس إدارة ... أم "طراطير"! تفاقمت الاستقالات من مجالس إدارات الشركات المدرجة في الآونة الأخيرة لعدة أسباب جوهرية ، منها ، القفز من القوارب المثقوبة، أي الهروب من المسؤولية قبل انهيار الشركات ، ومنها أيضا، تبديل الوجوه من جانب الّلاعبين الأساسيين من خلف الكواليس، حيث شاع في الآونة الأخيرة أن يكون أعضاء مجلس الإدارة شركات لا أشخاصا، والتي بدورها تعيّن أفراداً يمثلونها، ويسيطر على تلك الشركات شخص واحد، أو مجموعة صغيرة جدا من الأشخاص، وهم العقول المدبرة للتلاعب والإجرام في كثير من الحالات، حيث يقومون بوضع أعضاء مجلس إدارة كدمى أو " طراطير " ويحركونهم عن بعد بواسطة " ريموت كنترول "، وعندما تنتهي صلاحيتهم أو يحيدون عن دورهم المرسوم، يتم طردهم فورا واستبدالهم بلصوص آخرين في حقيقة وجوهر الأمر، بينما يظهر للعموم أن الموضوع مجرد "تقديم استقالات" أو "تغيير" ممثل شركة ما في مجلس الإدارة من شخص إلى شخص آخر، وذلك كما حدث مؤخرا، حيث تم تعيين "طرطور " ممثلا لشركة ما، وتم استبداله خلال 48 ساعة فقط بـ "طرطور" آخر، دون إبداء الأسباب بكل تأكيد كما هو معتمد في بورصة الكويت، علما بأن تلك الشركة تتبع كتلة معروفة بتعيين "الطراطير " ولديها مخزون هائل منهم يتم استخدامه وقت الحاجة، وقد نجحت في إستراتيجية "الطراطير" لمدة طويلة جدا، إلا أننا نتوقع سقوط كتلة "الطراطير" قريبا.
وقد ساعد في تفشي ظاهرة " الطراطير " تراخي إدارة البورصة وعدم مبالاتها بهذا الأمر الخطير، حيث يجب عليها البحث في حقيقة تلك الشركات الممثلة في مجالس الإدارات، هل هي وهمية؟ أم حقيقية؟ وكذلك من يديرها ؟ ومن هو مدققها ؟ وما هي موجوداتها ؟ وما هي حقيقة ملكيتها في الشركات المدرجة ؟ وغيرها من الأسئلة الضرورية والمشروعة، حيث إنه في بعض الحالات يقوم أحد أو بعض أعضاء مجلس العصابة ... عفواً "الإدارة" بالتلاعب أو بتنفيذ قرارات مشبوهة وعندما يتم مساءلته، يزعم بأن تلك القرارات جاءت بناء على "إستراتيجية" الشركة التي يمثلها، وعندما يتم الاستقصاء عن تلك الشركات، يتبين أنه لا وجود فعلي لها، وبالتالي، تضيع أو تذوب المسؤولية في كثير من الحالات، كما تتبخر أموال المساهمين بالتبعية، حيث لا يظهر مالك رئيسي ومسئول حقيقي لتلك الشركات عندما تتعرض للسلب والنهب، وبعد تصريف أسهمها على الضعفاء والمساكين من المتداولين.
نتائج الربع الأول... ارتفاع في الكم وانخفاض بالكيف! أعلن المعظم الساحق من الشركات المدرجة التي يتوافق عامها المالي مع السنة الميلادية نتائجها عن الربع الأول 2010 بأرباح مجمعة بلغت 393 مليون دك، بالمقارنة مع 135 مليون دك للربع المناظر 2009 ، وبنسبة نمو بلغت 192% ، ولا شك أن النمو في الأرباح البالغ 259 مليون دك يعتبر إيجابيا للوهلة الأولى ، لكنه غير إيجابي من حيث مصدرها ومنشئها، والذي كان معظمه من إعادة تقييم الاستثمارات، ويتجلى ذلك في قطاع الاستثمار، وهو قطاع " المتاعب والفواجع "، حيث حقق زيادة مطلقة بمقدار 188 مليون دك، وذلك من خسارة 186 مليون دك إلى ربح 2 مليون دك، أي ما يعادل 73% من مقدار الزيادة الكلية المطلقة، بينما حقق قطاع الصناعة – وهو غير تشغيلي في معظمه – زيادة بمقدار 80 مليون دك ليرتفع إلى أرباح بمقدار 40 مليون دك بالمقارنة مع خسارة بنفس المقدار ، وفي المقابل ، نرى نموا متواضعا لقطاع البنوك بمعدل 1%، وأيضا تراجع نتائج قطاع الخدمات بمعدل 16%، وهو ثاني أكبر قطاع تشغيلي بعد قطاع البنوك، أي أن النمو كان إيجابيا من حيث الكم، بينما كان سلبيا من حيث الكيف.
ومما يؤكد ضعف جودة الأرباح رغم ارتفاعها ، انخفاض نتائج شركات تشغيلية كبرى مثل زين وأجيليتي ومشاريع بنسبة 32 و 52 و 49% على التوالي ، بينما حققت نتائج شركات غير تشغيلية نموا ملحوظا مثل جلوبل وصناعات و ساحل ونور بمقدار 55.3 و 41.3 و 18. و 17.5 مليون دك على التوالي، وقد جاءت النتائج معظم غير التشغيلية أو الناجمة عن إعادة تقييم الموجودات على خلفية ارتفاع المؤشر الوزني بمعدل 14.3% خلال الربع الأول 2010 بالمقارنة مع أداء سلبي لذات المؤشر للربع المناظر 2009 بمعدل 11.9%.
الأسهم ... والرهونات
تتركز الرهونات المصرفية في معظمها في العقار والأسهم، وقد شهدت تلك الرهونات تراجعاً لا يقل عن 50% في قيمتها بالمتوسط منذ بداية الأزمة الاقتصادية، أي منذ بداية النصف الثاني 2008 حتى الآن، ولاشك بأن تبعات تراجع قيمة الرهونات كانت جسيمة على البنوك، والذي كبدها مخصصات كبيرة، وذلك جراء امتناع شريحة عريضة من المدينين عن تقديم ضمانات إضافية تغطي قروضهم، أو سداد جزء من قروضهم لتتناسب مع ضماناتهم .
من جانب آخر، فإن نسبة كبيرة من الأسهم المدرجة- خاصة القيادية - منها مرهونة لدى البنوك، والمرتبطة بالكتل الاستثمارية تحديدا، والتي توسعت بشكل غير مدروس خلال الأعوام الخمسة الماضية ، وبالتالي وقَعت – أو تكاد تقع – في دوامة القروض والضمانات ، وقد اضطر بعض المدينين – ومنهم أقطاب في كتل استثمارية رئيسية – إلى محاولة تثبيت أسهمهم المرهونة عند مستويات معينة حتى لا تنخفض بحدة، وبالتالي، التعرض لضغوط البنوك، ولاشك بأن هذا التصرف يعتبر بمثابة "اللعب بالنار "، حيث إن دعم أسعار الأسهم يتطلب سيولة كبيرة في هذه الظروف، مما قد يتطلب اقتراضا جديدا، والذي يعني المزيد من المخاطرة، كما يضطر الوضع الحرج بعض ضعاف النفوس– وما أكثرهم هذه الأيام – إلى القيام بعمليات تلاعب كبيرة وغاية بالخطورة في الأسهم لتدبير سيولة بأي طريقة ممكنة، فالغاية عند هؤلاء تبررُ الوسيلة ، أي أنه لا فرق بأن تكون الوسيلة مشروعة أو غير مشروعة، وذلك كالمدمن على المخدرات، حيث يمكن أن يرتكب أي حماقة - مهما كانت درجة خطورتها – للحصول على جرعة المخدرات التي يحتاجها ، ولو لتسكين مؤقت وقصير جدا لاضطرابه.
إن إبقاء بعض الأسهم– ولو أنها قليلة عددياً لكنها قد تكون مؤثرة – فوق قيمتها العادلة وفقا للظروف السائدة، هو أمر خطير للغاية ، حيث إنها من الممكن أن تنهار في أي لحظة، وبشكل دراماتيكي، وذلك عند استنفاذ وسائل التمويل المتاحة سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، وبالتالي، يترتب على ذلك آثار جسيمة وسريعة، علماً بأن تلك الأسهم " الخطرة "متوزعة على الشرائح السعرية المختلفة، أي أن بعضها فوق الدينار ومعظمها تحته، كما أن بعضها تشغيلية، والبعض الآخر غير تشغيلي أو أنها ورقية، والتي قد تعتبر قنبلة موقوتة، لكنها مجهولة توقيت الإنفجار.
قرار اقتصادي أم سياسي؟
قدمت الهيئة العامة للاستثمار تحفظاً تجاه التوزيعات النقدية التي أقرتها الجمعية العمومية لشركة الاتصالات المتنقلة "زين " والتي انعقدت بتاريخ 27/5/2010، وقد أبدت هيئة الاستثمار أسبابا موضوعية لتحفظها، ورغم أن الأغلبية كانت مؤيدة لإقرار التوزيعات وبحماس شديد، وهذا ما يجب احترامه بكل تأكيد، إلا أن تحفظ الهيئة يعتبر موقفا إيجابيا يحسب لها، وقد فات الهيئة أن تأخذ مواقف واضحة تجاه مواضيع مفصلية أخرى أو تغافلت عنها، مثل جدوى زيادة رأس المال الكبيرة خلال 2008، وذلك بنسبة 75% بالإضافة إلى الأسهم المجانية بمعدل 50% ، وقد بلغت قيمة الزيادة النقدية المدفوعة في رأس المال نحو 1.2 مليار دك، والتي تم توظيف جزء مهم منها في شراء أسهم الخزانة – وبأسعار مرتفعة – بمبلغ 552 مليون دك، عوضا عن استخدام تلك الأموال في تمويل التوسعات التشغيلية وقتها، أو لسداد القروض من باب أولى.
ورغم تقديرنا لموقف هيئة الاستثمار الأخير، إلا أننا نعتقد أنه ذو صبغة سياسية أكثر من اقتصادية ، حيث إن هيئة الاستثمار تمتلك أكثر من النسبة المعلنة في رأس مال "زين " والبالغة 24%، وذلك من خلال ملكيتها في الصناديق والمحافظ ، والتي لم يتم ضمها لنسبة الهيئة عند تسجيل النصاب أو التحفظ على قرار التوزيعات، ناهيك عن ملكيات الهيئات الحكومية أو شبه الحكومية مثل مؤسسة التأمينات، والتي يمكن التنسيق معها لرفع نسبة المساهمين المتحفظين، بالإضافة للهيئات الرسمية الأخرى التي قد تملك أسهما في "زين "، كما لم تبذل هيئة الاستثمار جهدا في حشد التأييد لتحفظها على التوزيعات ما بين المساهمين المترددين في قرارهم, وإن كان اعتقادنا صحيحا وفي محله من حيث البعد السياسي وليس الاقتصادي لقرار هيئة الاستثمار بالتحفظ ، فإننا نرجح أنه كان لمجرد تسجيل موقف تجاه مجلس الأمة تحديدا ، وذلك في حال أي مساءلة بما يتعلق بشركة " زين "، خاصة إذا ما ترتب على قرار التوزيع – أو لأي موضوع آخر – تبعات سلبية جسيمة ، وهذا ما لا نتمناه بكل تأكيد.