ما فتئ العديد من مسؤولي شركات الاستثمار الكويتية يرددون النغمة نفسها، منذ اندلاع الأزمة المالية المحلية في الربع الثالث من 2008، مع تغيير التعابير ربما. النغمة ترتكز على أن الأزمة هي أزمة سيولة في المقام الأول، لا أزمة ملاءة مالية أو أخطاء إدارية ارتكبت في فترة الرواج وحالات احتيال مورست داخل سوق الأسهم وخارجه.
وحسب بيانات بنك الكويت المركزي، هبط حجم السيولة أو «الكاش» المتوافر في جعب شركات الاستثمار المائة العاملة في السوق المحلي %48 تقريبا خلال الأزمة الحالية، منخفضا من 1.24 مليار دينار في مارس 2008 إلى 657.8 مليون دينار كما في مارس الماضي. وبذلك تكون تراجعت نسبة النقد من إجمالي أصول الشركات المائة من %7.3 في مارس 2008 إلى %4.4 فقط في مارس 2010، على اعتبار أن إجمالي الأصول انخفض أيضا في هذه الفترة من حوالي 17 مليار دينار إلى 14.77 مليارا. وتجدر الإشارة إلى أن حجم الكاش يضم النقد المباشر والحسابات والودائع لدى البنوك والمؤسسات المالية الأخرى لجميع شركات الاستثمار التقليدية والإسلامية، علما أن بعض هذه الودائع مرهون أو يشكل ضمانات لقروض وتسهيلات ائتمانية حصلت عليها المؤسسات.
لكن ماذا تعني هذه الأرقام؟ تعدد مصادر استثمارية جملة من التأثيرات التي يولّدها انخفاض مستويات السيولة من يد الشركات: •أولا، انعكس انخفاض «الكاش» على حجم التداولات في سوق الكويت للأوراق المالية. فمن نافل القول ان شركات الاستثمار كانت توفر جزءا لا بأس به من وقود البورصة.
•ثانيا، استُخدم جزء كبير من الكاش خلال الأشهر الأربع وعشرين الماضية، وهو عمر الأزمة، لدفع مستحقات مالية أو خدمة ديون أو سداد وكالات استثمار أو ما شابه.
•ثالثا، أظهرت الأزمة ضعفا مخيفا في إدارات السيولة لدى شركات الاستثمار. فما أن أغلقت البنوك «حنفيات» التمويل، حتى علت الصرخة. فوفق الأوساط المتابعة، كان أغلب الكاش في فترة رواج السوق يُدار بشكل يومي، في ظل غياب خطط طويلة المدى أو أي خطط طوارئ.
إلى ذلك، يبيّن الانخفاض في حجم السيولة أيضا مدى صعوبة توفير النقد هذه الأيام. فموارد السيولة التقليدية باتت شحيحة أو من الصعوبة في مكان الحصول عليها:
1 - تشير مصادر مصرفية إلى أن البنوك وضعت أصعب القيود لتمويل شركات الاستثمار بعد أن أضرت التعثرات بجودة المحافظ الائتمانية وبصافي الأرباح بسبب المخصصات الكبيرة التي يتم تجنيبها. وليس أدل على ذلك سوى صراخ أغلب القيّمين على هذا النوع من الشركات مطالبين بإعادة فتح «حنفية» القروض من جديد.
2 -ما زال التخارج وتسييل الاستثمارات المدرجة وغير المدرجة صعبا مع غياب الشارين. فأغلب هذه الاستثمارات ورقية أحرقتها الأزمة بسرعة، وما عادت تجد من يشتريها أو يقتنع بجدوى الاستثمار فيها، أما الجيد منها فلم ينجّ من عاصفة انخفاض أسعار الأصول.
3 - انخفضت موجة الاكتتابات العامة إلى أدنى مستوياتها منذ 2003، مما ساهم في ضرب بزنس التفريخ التي اقتاتت عليه الكثير من شركات الاستثمار في الفترة الماضية.
4 - مع تعثر سندات وصكوك لشركات استثمار كويتية، تتوقع مصادر أن يعاني هذا السوق في الفترة المقبلة. إذ لن تستطيع شركات تسويق سنداتها لا في الداخل ولا في الخارج، بعد أن ضُربت السمعة و«طاحت الفأس بالرأس».
5_مع استمرار هبوط أغلب مؤشرات سوق الكويت للأوراق المالية، يبدو أن بزنس التداول بعيد عن الانتعاش بعض الشيء، مما خفّض إيرادات الوساطة وإدارة المحافظ والصناديق وغيرها من النشاطات التي كانت منبع سيولة رئيسيا لشركات استثمار عدة.
إلى ذلك، لم يعد أمام الكثير من شركات الاستثمار سوى مصدر وحيد قد يوفر لها بعض السيولة وهو جمع رأسمال جديد من المساهمين. وهذا الإجراء دونه عقبات عديدة أبرزها عدم قدرة المساهمين أنفسهم على توفير الأموال، وتعثر عدد كبير من الشركات والمساهمين. كما أن الأزمة أسقطت أقنعة عدة ومحت الصورة الوردية لشركات تعد بتوسعات واستراتيجيات. فانخفض مستوى الإيمان بهذه الشركات التي باتت تطلب زيادة رأس المال لمعالجة ديون وسداد مستحقات.
وباستثناء بعض الشركات التي انحنت أمام الأزمة لكنها عاودت الأرباح ما أن انتعشت الأسواق، تشير أوساط استثمارية إلى أن شركات الاستثمار لن تستطيع جمع رأس المال إلا إذا استطاعت تأمين مستثمرين استراتيجيين جدد. فالمسألة أبعد من سيولة، إنها قضية ملاءة مساهمين وشركات، وفق المصادر نفسها.