فى وقت سابق من هذا الشهر وافقت منطقة اليورو التي تضم 16 دولة وصندوق النقد على مديد العون لليونان،والذى يتمثل فى حزمة انقاذ بقيمة اجمالية تبلغ 110 مليار يورو خلال السنوات الثلاث المقبلة لانقاذ اليونان من شبح الانهيار وبالفعل تسلمت اليونان الدفعة الأولى والتى تبلغ قيمتها 20 مليار يورو بينها 5ر14 ملياريورو قدمتها الدول الأعضاء بمنطقة اليوور بجانب 5ر5 مليار يورو خصصها صندوق النقد الدولي لمساعدة اليونان في التغلب على الازمة الراهنة.
كما يمكن أن تحصل اليونان أيضا على قروض ذات آجال قصيرة جدا من دول أخرى كألمانيا أو فرنساو فى حالة إذا استطاعت هذه الدول أن تنجح في تمول الصناديق اليونانية بانتظام فلن يكون لديها أبدا ما يكفي من سيولة. وفي جميع الأحوال لن تؤدي هذه السياسة الا إلى ضعف مالي. وحتى بالنسبة لدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتمد فى الاساس على هيمنة الدولار دوليا سيظل عجزها العمومي يتعمق بدون توقف فى حال اذا استمرات فى اتباع مثل هذه السياسة فى معالجة الازمة الراهنة.
وتجدر الاشارة الى ان صندوق النقد الدولي بذل من قبل جهدا كبيرا لمساعدة الدول على البقاء في وضع مالي جيد وذلك عن طريق تقديم قروض ضخمة يمكن استخدامها للاستمرار في دفع اقساط الديون او لدعم العملة المحلية. ومثل هذه القروض بما فيها تلك الضخمة التي تقدر بمليارات الدولارت المقدمة الى المكسيك وتايلاند واندونسيا وكوريا الجنوبية وروسيا والبرازيل وتركيا والارجنتين، اثارت انتقادات شديدة باعتبارها طريقة باهظة التكلفة لانقاذ الدول التي تتخذ قرارات سياسية خاطئة، بالاضافة الى حماية المستثمرين الذي يخاطرون بشراء أسهم وسندات.
فمن الطبيعى ان تلجأ الدول للاستدانة وان ذلك لا يشكّل أيّة مشكلة مادام هناك ضوابط تنظم عملية الاقتراض كما ان حجم الدين العام ليس هو المشكلة بل ان اعباء خدمة هذا الدين هو الجزء الاهم، إذ إنّ خدمة الدين قد تمنع الحكومة عن ممارسة دورها الإنمائي وبذلك تأخذ خدمة الدين الجزء الاكبر من الموازنة وتقلل من الانفاق على مشروعات اخرى اكثر اهمية وفى حالة ما اذا زاد حجم خدمة الدين عن حجم الدخل الوطني، تضطرّ الدولة إلى الاستدانة حتى تتمكن من سداد ما عليها من اعباء لتاخذ هذه العملية شكل حلقة مغلقة اكثر تعقيدا ليصبح من الاستحالة التخلص منها ويصبح الخروج من أزمة الدين العام مسألة عسيرة.
ولا بدّمن الإشارة إلى أن عدد من الاقتصاديين يعتبرون العجز أمراً مفيداً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ويستند هؤلاء إلى أن الاستدانة لتغطية العجز تستقطب أموالاً من خارج الدورة الاقتصادية المحلية الاعتيادية إلى السوق الداخلية ولكن حتى و لو اعتبرنا هذه النظرية صحيحة فإنّها ستؤدي بالتأكيد إلى دخول اليونان فى هذا السيناريو الذى سيبدأ بعجز ومن ثمّ دين ومن بعده ضرورة خدمة الدين ومن ثم الاستمرار فى الاستدانة الإضافية لذا فمن الضرورى اللجوء الى سياسات بديلة بدلا من معالجة الدين بدين اخر لانها بشكل او باخر معالجة غير مفيدة على المدى الطويل.
وهذا قد يكون احد طرق حل ازمات عجز الدول وهو"معالجة الدين بالدين" وهو ما سيجعل اليونانيون يدفعون ثمنا كبيرا لمعالجة الأزمة الاقتصادية وستؤثر أيضا مخاطر المديونية على السيادة الوطنية اكبر من أي وقت مضى، كما أنّ العجز بسبب دين عام متراكم سيؤثّر سلباً على الظروف الاقتصادية الحياتية فى اليونان نظراً لانه سيدفع بالضرورة الى ارتفاع نسب الضرائب وفرض كلفة غالية على الطبقة العاملة من أجل المحافظة على استمرار الرأسمالية حية.
وقدنعود بالاذهان الى ما حدث فى الارجنتين فى نهاية عام 2001 حيث توجهت حكومة فرناندو دي لارو قبل ان تقوم الاضطرابات الى اسقاطها الى خفض الانفاق الحكومي وتجميد الحسابات المصرفية واستخدام حسابات معاشات الدولة للحصول على اموال لدفع اقساط الديون.
من يداوي النار بالنار يزدها لهب إطفائه يغد محالا
والبادي اظلم
فيما يتعلق بمخاطر الأقراض والديون والتوريق فيكفى ما قاله العشرات من المفكرين وكبار الإقتصاديين فى أوروبا وأمريكا خلال العام الماضى عن حتميه تخفيض معدل الفائدة إلى ما يقرب من الصفر ومعدل الضرائب إلى حدود 2% وهو تقريباً تحولاً نحو الإقتصاد الإسلامى