في حين يقوم وفد سعودي حكومي رفيع المستوى، ومعه ثلّة من رجال الأعمال، بعقد لقاء تعريفي عن فرص الاستثمار في المملكة، في مدينة شيكاغو (مدينة الرئيس أوباما)، أعلنت شركة كونكو فيليبس الأمريكية، عن انسحابها من مشروعها المشترك مع شركة أرامكو،وذلك يدعو إلى التمعن، والتساؤل؟! وقبل الحديث عن تلك الحالة، ولو رجعنا إلى منتصف الثمانينات الميلادية، فإن شركة سابك كانت على وشك توقيع اتفاقية شراكة لأكبر مشاريعها في ذلك الوقت، وهو مشروع بتروكيميا، مع شركة داو الأمريكية، لكن الأخيرة انسحبت، ونفّذ المشروع من قبل سابك، بدون شريك أجنبي. لاحقاً وافقت شركة داو ذاتها على الدخول مع شركة أرامكو في مشروع بترورابغ، ولاحقاً انسحبت داو لتحل محلها شركة سوميتومو اليابانية.
وقبل سنوات باعت مجموعة سيتي المصرفية حصتها في بنك سامبا إلى صناديق حكومية، ولم يبق من أثر الشريك الأمريكي إلا الاسم فقط، ومؤخراً أعلنت أرامكو وداو نقل مشروع تطوير مصفاة رأس تنورة إلى الجبيل، وذلك على أمل تحسين اقتصادياته، وفي ذات الوقت أعلنت شركة معادن عن رفع نسبة ملكيتها لمشروعها المشترك مع شركة ألكوا إلى 75%. ماذا يعني كل ذلك؟ وهل هو حكم على إسلوب عمل الشركاء الأجانب، وفي هذه الأحوال كلها شركات أمريكية؟ أم هي حكم على أداء الشركات السعودية؟. أم إن الأزمة المالية قد طالت حتى العملاء المميزين من أمثال أرامكو، والشركاء الأجانب؟ الإجابة هي أن كل تلك العوامل مجتمعة قد ساهمت، بشكل أو بآخر، في تكوّن تلك الظاهرة؟
أولاً: من المعروف أن مشاريع تكرير النفط لا تحقق هوامش ربح كافية، ولذلك جاءت فكرة ربط كل مصفاة بمجمع للبتروكيماويات، على أمل تحسين اقتصادياتها.
ثانياً: تكاليف تلك المشاريع ارتفعت كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية، ورغم أن معاودة التفاوض مع المقاولين قد تحقق خفضاً، ولكن المشكلة الأكبر تأتي من توفر التمويل، خصوصاً أن هذه المشاريع بجانب احتياجاتها الكبيرة للتمويل (حوالي 30 بليون ريال)، فإن المشكلة الأكبر هي أن يكون التمويل طويل الأجل (10 – 14 سنة)، وهو ما يحتاجه هذا النوع من المشاريع، لتتجاوز أزمة تذبذب الأسعار، والتي هي سمة معروفة في قطاع التكرير، والبتروكيماويات.
ثالثاً: العامل المشترك في كل هذه الأمثلة، هي أن الشريك الأجنبي هو أمريكي. والشركات الأمريكية تتغير إداراتها العليا بشكل أكبر من باقي الشركات في العالم، ومع كل تغيير تأتي أولويات جديدة، واستراتيجيات مختلفة، وبشكل عام يتّصف المستثمر الأمريكي بأنه لا يرى غضاضة في تغيير اتجاهه، كما أنه لا يفكر في المدى الطويل (تردد أن مجموعة سيتي نادمة على بيع حصتها في سامبا!!).
رابعاً: هل لكون الشريك السعودي شركة حكومية، دور في قرار الانسحاب؟! أم إن هناك شروطا حكومية سعودية إضافية، سهلت على المستثمر الأمريكي اتخاذ قرار الانسحاب؟؟ لا يوجد دليل على ذلك، ولكن بشكل عام، فإنني أقلق من أن المسؤولين لدينا ما زالوايعتقدون بأن بيئة الاستثمار لدينا ما زالت جاذبة، ولا يعون مدى المنافسة التي أصبحت تمثلها دول أخرى كانت خارج المنافسة، مثل فيتنام،والصين، والهند، والبرازيل، والأرجنتين... إلخ.
وفي كل الحالات لا بد من دراسة أسباب قرار الانسحاب لأهميته.
لآن ما عندنا اولويات نمشي عليها المسأله مجامله وتطيب خاطر!!