الزعماء الثوريون هم أشخاص يعتقدون أن القدر قد سخرهم لانتشال شعوبهم من باطن الأرض والصعود بهم إلى عنان السماء حيث الجنة المزعومة للجميع، لا أدري ما هي التركيبة النفسية لهؤلاء، ولكن من المؤكد أنها تركيبة مختلفة عن باقي البشر فهم على الأقل أشخاص استثنائيين من وجهة نظرهم ساقهم القدر في اللحظة المناسبة لأداء هذه المهمة الاستثنائية، وغالبا عندما نستمع لهؤلاء القادة وهم يلقون الخطب، تشعر بأن الذي يخطب يتصور أنه يتحدث من السماء وأن كافة أنحاء الكون تسمعه وتهتز لعباراته الرصينة اهتزازا تسمع أصداءه في كافة جوانب الكون السحيق .
القاسم المشترك بين هؤلاء هو أنهم يعتقدون أنهم جاءوا لنصرة الفقراء والضعفاء من سيطرة وجشع الأغنياء وذوي النفوذ، ومحاربة الامبريالية والطبقية وسيطرة رأس المال على الحكم، بينما على أرض الواقع تجدهم يعيشون في واد آخر يختلف تماما عما يرسمونه في خطبهم ودساتيرهم ومبادئهم التي شرعوها، حيث تسخر موارد الدولة لا من أجل الفقراء والضعفاء وتحسين أحوالهم، وانما من أجل استيفاء احتياجاتهم هم بالدرجة الأولى، ومثل هذه الاحتياجات متعددة، فبالإضافة إلى الاحتياجات الشخصية، تنفق الأموال على قمع المعارضة بدعوى أنها ضد الثورة ومبادئها وضد الحلم القادم بالحرية والديمقراطية والرفاهية وغيرها من العبارات والمفاهيم التي يسمعها رجل الشارع مرارا وتكرارا من الزعيم، ويظل طوال حياته يحلم بها أو يحلم بأن يعيشها لحظة على أرض الواقع، ثم يفاجأ بأنه يموت قبل أن يرى أي من هذه الوعود الزائفة حقيقة.
زعيمنا الثوري اليوم صورة طبق الأصل لهذا الوهم الذي يسمونه الثورة في دول العالم الثالث، إنه الزعيم الدكتاتور روبرت موجابي الذي حول زيمبابوي إلى واحدة من أندر دول العالم وأكثرها مأساوية فى تاريخ البشرية الحديث. ما حدث في زيمبابوي سوف يسجل في تاريخ التضخم على أنه واحدة من أعنف حالات التضخم الجامح التي عاشها البشر في كل العصور.
عندما تولى موجابي السلطة بأفكاره الثورية العبقرية، قام موجابي بمصادرة أراضي البيض تحت دعوى الإصلاح الزراعي، ومن ثم أخذت إنتاجية الأرض الزراعية في زيمباوي في التراجع حتى انهارت، وتحولت زيمبابوي من الدولة التي كانت تصدر الغذاء إلى دولة تعيش على المعونات التي يجود بها العالم لإنقاذ الفقراء والجوعى في زيمبابوي، وذلك بعد ان حطمت عملية طباعة النقود غير المسئولة من الزعيم الثوري دخول الأفراد وحولت معظم السكان إلى جيش من المعوزين بحثا عما يسد الرمق، أي شيء يسد الجوع، وهاجرت العقول الزيمبابوية إلى الخارج في كافة أنحاء الدنيا، لتتراجع تنافسية زيمبابوي وينتشر فيها الفساد، وتتراجع نتيجة لذلك شعبية موجابي بصورة واضحة ويجلب موجابي أعداءا جدد كل يوم في الداخل والخارج، بينما الزعيم يهلل لنفسه ويطبع النقود على أمل أن توزيعها على الناس سوف يخفف من معاناتهم.
هذا التفكير العبقري للزعيم الثوري أدى إلى انهيار الدولار الزيمبابوي إلى مستويات أقل ما يمكن ان توصف به أنها خيالية، يندر أن تتكررفي تاريخ العالم. لقد سبق ان تناولت موضوع التضخم الجامح في زيمبابوي أكثر من مرة تحت عناوين مختلفة أهمها "دولة المليارديرات الفقراء"في مدونة مذكرات اقتصادية، ولكن الطريف هو ما أعرضه اليوم للقارئ نقلا عن الاكونوميست عن معدلات صرف الدولار الزيمبابوي بالدولار الأمريكي خلال عامي 2008 و 2009 ببركات الزعيم، حيث يتحدث موجابي لنفسه مرتديا افخر الثياب وشعبه يسير بلا ملابس تقريبا يحلم بالايام الخوالي حيث كان من الممكن أن يتناول الفرد قطعة من الفراخ في احدى وجباته، ولكنه اليوم اصبح يراها على التلفاز أو في كتب المطالعة فقط، في الوقت الذي ينهار فيه الدولار الزيمبابوي كل ثانية يمر فيها الزمن.
معدلات صرف الدولار الزيمبابوي انخفضت الى مستويات لا يمكن تصديق أن أي عملة في العالم يمكن أن تصل اليها، لاحظ واحد كوادريليون يساوي ألف تريليون، وواحد ديشيليون يساوي مليار تريليون تريليون، هل يمكن ان تصدق ان الدولار الامريكي بلغ في لحظة من الزمن47.2 ديشيليون دولار زيمبابوي، أي 47.2 مليار تريليون تريليون دولار زيمبابوي. إنها أرقام لا يمكن أن نسمع عنها سوي في الفضاء اللامتناهي، حيث يعيش هؤلاء الزعماء المأساويين أمثال موجابي وصدام حسين وأدولف هتلر وغيرهم.
�
المصدر: http://www.economist.com/research/articlesBySubject/displaystory.cfm?subjectid=7933596&story_id=15943316
معلومات قيمه ورائع اشكر الكاتب عليه الا انني احس بالحرقه والالم على ذلك الشعب المتورط بهذا الأحمق البغيض تحياتي لك
د. محمد من عدم الانصاف مقارنة هذا الموجابي بصدام حسين رغم اخطاء صدام حسين إلا ان له بصمات واضحه على الشعب العراقي ((اذكروا محاسن موتاكم))
استوقفتني كلمه ،لم استطيع تفسيرها، - الثوريون هم أشخاص يعتقدون أن القدر قد سخرهم لانتشال شعوبهم من باطن الأرض والصعود بهم إلى عنان السماء حيث الجنة المزعومة للجميع - حيث الجنه المزعومه؟؟؟؟ وايضا تشبيه صدام بموجابي و هتلر؟ لست من مؤيدي صدام،لكن يتوجب ان لا تنسى افضاله
شكرا الأخر بانكر شكرا الأخ أفلاطون، بالنسبة لي ليس هناك فرق بين الاثنين، فكلاهما ترك بصمات مريعة على شعبه. ربما يكون هناك بصمات واضحة لصدام حسين على شعبه لا أعلمها، بصفتي لا اقيم في العراق، قد يكون معك حق فيما ذهبت اليه. شكرا أخ حسان، أنا أكره عبد الناصر اكثر منك، وأعلم حجم الخراب الاقتصادي الذي خلفه نظامه والنظم التي تلته.
د. محمد حتى لو لم تقم في العراق اكيد فيه احد من اقربائك يعمل في العراق قبل عام 91 ويمكن احد من زملائك كان يعمل او يدرس هناك .... أساله راح يجيبك على سؤالك. كلنا تعاطفنا مع الكويت ايام الغزو ووقفنا ضد تصرفات صدام حسين لكن ذلك لايعني ان نقلل من انجازاته بغض النظر عن طريقة حكمة في تلك الفترة لانها كانت طريقة جميع الدول العربية والافريقية واللاتينية والاوروبية إلا فيما ندر لكن عندي سؤال ... ايهمها افضل المسلم أم الكافر؟؟ بغض النظر عن انتمائه ... إذا فهمت هذي النقطة حصلت خير
الأخ العزيز أفلاطون الأسهم أنا أحاول أن أفهم تعليقك، وصححني إن كنت على خطأ. هل أنا لي فضل على الطبيب الذي عالج ابنتي، هل أنا لي فضل على المهندس الذي صمم وبني فيلتي، هل أنا لي فضل على المزارع الذي يعمل في مزرعتي، لو وجهت هذا السؤال للمهندس الكوري الذي كان يعمل أيضا في العراق قبل 91، حدثني عن فضل صدام حسين عليك، تتوقع ماذا سيكون رده، بماذا سيجيب؟ لا أدري ما الذي حدث قبل 91، ماذا كان يفعل صدام، ولا أريد أن أعرف بالمناسبة. نعم لي اصدقاء عملوا في العراق، في عهد صدام حسين، وقد كانوا يحدثونني عن دولة الخوف واللا أمان، حيث يمكن أن تفقد حريتك وحياتك لسبب غير مفهوم بالنسبة لك، حيث يمكن أن تفقد رأسك برخص التراب. لو كنت أنت موجودا في العراق في ظل حكم صدام حسين وتعرفت على معاناة الملايين الذين عاشوا وعانوا في ظل حكمه، لو كانت لك قريب في حلبجة وضرب بالكيماوي، لا قدر الله، أعتقد سيكون لك رأيا آخر. أعتقد أن المدافعين عن صدام حسين عددهم قليل جدا، وغالبا هم ممن لم يكتووا بناره، أو تعاطفوا معه بسبب الطريقة المأساوية التي لقي فيها حتفه، معهم حق، إنهم لم يشاهدوا الطرق التي قتل بها صدام معارضيه. لقد جمع جنود صدام حسين آلاف الأسرى هنا في الكويت قبل أن يجبر على الانسحاب من مغامرته المباركة بغزو الكويت، ماذا، فعل بهم، لقد أبادهم جميعا، رجالا ونساءا وبدون محاكمة، تصور أنك كنت تسير في الشارع ليقبض عليك زبانية الدكتاتور ثم تفقد حياتك دون حتى أن تدافع عن نفسك، ما الذنب الذي ارتكبوه حتى يستحقوا هذا المصير. نحن نتحدث عن نظام قاتل، يحمل دماء مئات الآلاف ممن قتلوا في حروبه المقدسة، وهم مسلمين بالمناسبة، ولا أدري كيف سيلقى الله بكل تلك الدماء. لست متخصصا في السياسة لكي احدثك بصورة أفضل عن معنى النظام الدكتاتوري، أخي العزيز قل الحمد الله على ما تتمتع به من حرية، على الأقل أنت تكتب ما تشاء هنا في ألفا بيتا. دعك من هؤلاء القتله، إنهم لا يستحقون عناء أن تكتب عنهم أو أن تدافع عنهم، سخر قلمك لشيء أنفع لنا جميعا. تحياتي.
السؤال المطروح الان، ماذا عن الزعماء العرب الحالين، وفي اي خانة تصنفهم في ظل الفساد المستشرى في جميع ارجاء الوطن العربي وعلى جميع المستويات؟ وفي رأيك ماهو الحل يادكتور؟ وهل تتوقع ان تتغير اوضاعنا يوما ما؟ نسأل الله العافية.
شكرا أخي الشايط من المؤكد سوف تتحسن أحوالنا يوما ما وإلى الافضل، ما زال عندي أمل، كل يوم يمر يضاف الى رصيد المتعلمين المثقفين الواعين المزيد، كل يوم يمر نتحدث فيه عن رغبتنا في التغيير الى الافضل، وتتكون تجمعات تخدم المجتمع نحو الأداء الأفضل، ومنها ما نتبادل من خلاله افكارنا اليوم "ألفا بيتا". نعم الفساد آفة تدب في جسد بلادنا، وترتيب بلادنا في تقارير الفساد الدولية أمر مخجل، لكن هذا الفساد لن يستمر. ومرة أخرى يوما بعد يوم تتكون التجمعات ضد الفساد، أنا معك أن الحراك في دولنا بطيء نسبيا، ولكنه ليس راكدا. والتغيير سيتم إن شاء الله، فمن المؤكد أن الأجيال القادمة من الحكام لن تكون مثل التي مضت. ولكن تقدمنا ورقينا يتطلب منا أن نكون مستعدين ومتسلحين لذلك بالعلم الصحيح والمعرفة الواسعة وصقل المواهب والتحفيز على الابداع والتطوير، حتى نستطيع أن ننافس في عالم لا يعترف بالضعفاء اقتصاديا. شكرا على تعليقك.
دكتور محمد لم تجيب على استفساراتي؟؟!!
عذرا أخي مازن لقد عشت إحدى هذه الثورات، وشهدت تطوراتها بالفعل منذ بدايتها حيث كنت لا أعي ما يدور حولي، ولكني كنت اسمعه دون أن افقه ما يقال، عندما تستمع الى الزعيم الثوري عبر الوسائل الاعلامية، تعتقد أنه يملك الدنيا بأسرها، وأنه قادر على أن يحولها حيث يشاء وإلى ما يشاء، ومن ضمنها تبديل الاوضاع التي سادت قبل أن يقوم بثورته الى أوضاع تشعرك أنك مقدم على أن تعيش في الجنة التي يرسي هو بالفعل اسسها. ثم تكتشف لاحقا ان الزعيم قادك الى أوضاع أسوأ من التي كان يتحدث عنها ويتشدق بها ليل نهار. بالنسبة لي ليس هناك فرق بين الثلاثة، سوى في الاسم، ولدي اعتراض شديد على عبارة افضال صدام حسين، من فضلك اسردها لي، ولكن ان كانت مثلما ذكر الاخ افلاطون، فهي ليست أفضالا، كما ترى. شكرا على تواصلك.