منذ عام 1848، وهو تاريخ نشر بيان الشيوعية العالمي، من قبل كارل ماركس، ومارك أنجلز، فقد تكونت ثنائية متضادة، الشيوعية، والرأسمالية، وفي حين ترى الأولى أن التغيير ستقوم به الطبقة الكادحة (البيرولتاريا)، أي من أسفل إلى الأعلى، فيما ترى الرأسمالية أن صندوق الاقتراع (الديموقراطية) كفيلة بتحقيق رغبات المجتمع، وإن كانت الحقيقة أن أصحاب رأس المال، هم في نهاية المطاف، من يحدد المسار.
وبعد صراع مرير بين الجناحين، سقطت الشيوعية، في عام 1989، عندما سقط جدار برلين، وإن كان بقيت بقعتان عصيتان، هما كوريا الشمالية، وكوبا، ولكن أهميتهما محدودة على المستوى العالمي؟!
تذكرت ذلك التاريخ لأنني سعدت مؤخراً بالإطلاع على عدد من الشواهد، التي تدل على أن التغيير فعلياً، أو على الأقل في العالم الثالث، لا يمكن أن يحدث إلا من قبل القيادة، ويتبعها عادة عامة الناس عن رضا، ويعارضها المتضررون من الإصلاح، والتغيير. ولكن مبدأ الإصلاح يحمل وجوباً أن الأمور القائمة غير صحيحة، ولذلك تطلبت إصلاحاً، وتقويماً لإعوجاج.
مصدر سعادتي، هي عدة حوادث عايشناها مؤخراً، وفيها يستمر خادم الحرمين الشريفين، أطال الله في عمره، في مفاجأتنا كل يوم، وإليكم الشواهد:
1 – تكريم البروفيسورة خولة الكريّع من خادم الحرمين، وهي متخصصة في تخصص طبي هام، بعد ما كان كل التكريم يذهب إلى التخصصات النظرية، وكان هناك تجاهل كامل للتخصصات العلمية، ناهيك عن كونها إمرأة.
2 – معرض الكتاب، وعندما شاهدت فيه قصة الأم، للكاتب الروسي مكسيم جوركي، تذكرت أنني اقتنيت القصة في عام 1967، وأخفيتها في بيت الدجاج، لأن العقوبة في ذلك الوقت لمن وجدت عنده، كان (15) سنة سجناً، ومثلها لقصيدة بحر العلوم (أين حقي؟؟).
3 – مشاركة المرأة في مهرجان الجنادرية، وفي حفل جائزة الملك فيصل الخيرية، وقد يقول أحد إن تلك المشاركات رمزية، ولكنها عندما ترعى من القيادة، فهي رسالة هامة إلى كل المجتمع، وهو مجتمع تعمّد تهميش المرأة، لعقود طويلة.
4 – المحاضرات التي قدمت ضمن فعاليات مهرجان الجنادرية، والخلطة العجيبة من المفكرين العرب، والأجانب، الذين جمعوا تحت سقف واحد، كل ذلك يدلل على نضج حول تقبل الرأي الآخر، وخلق ثقافة التنوع، أو على الأقل محاولة لتحقيق ذلك.
5 – أخيراً وليس آخراً، بل هو الأهم من كل ما سبق، فهو تمديد برنامج الملك عبدالله للابتعاث، وهو ما سيضخ جيلاً جديداً، ومنفتحاً على مختلف الحضارات.
من حق أحد ما أن يسألني، وما علاقة كل ذلك في زاويتك التي يفترض أن تتحدث فيها عن الشأن الإقتصادي؟ والجواب سهل وبسيط، فالإصلاح الاقتصادي، لا يمكن أن يتم بمعزل عن الإصلاح السياسي، والاجتماعي، والثقافي، وكما هو معروف، فإن رأس المال جبان، والعكس صحيح، فهذه الإصلاحات ترسل رسائل إيجابية إلى كل المستثمرين، بأنهم في بيئة صالحة، بعيدة عن التطرف، والإقصاء، وهو ما نحن في أمسّ الحاجة إليه.