توقف الارتفاع الذي شهده إغلاق المراكز المالية المكشوفة بالدولار الأمريكي واليورو قبل عيد الفصح فجأة في حين ساعدت الشكوك المثارة حول قدرة اليونان على سداد ديونها الدولار الأمريكي على استعادة ما فقده.
وتواصل التوقعات الاقتصادية خارج أوروبا تحسنها مما أصاب المستثمرين ببعض الارتباك بشأن المحور الذي ستكون له الهيمنة في المستقبل القريب. وقد شهدت عوائد سندات الحكومة اليونانية ارتفاعا حادا، حيث زاد عائد السندات أجل سنتين بنسبة 2.5 في المائة تقريبا في أقل من أسبوع إلى مستويات لم تشهدها منذ 12 عاما. وتشير البيانات الحديثة إلى أن التعافي في منطقة اليورو قد توقف في الربع الرابع مما يؤكد على العودة البطيئة إلى النمو في القارة الأوروبية.
وما يزال الإقبال على المخاطر عند مستويات مرتفعة في بلدان أخرى حيث حققت السلع على العموم مكاسب في منتصف الأسبوع الماضي. وبلغ مؤشر مكتب أبحاث السلع (CRB) أعلى مستوى له منذ 10 أسابيع مدفوعًا في المقام الأول بقطاعي المعادن والطاقة قبل أن يذهب انبعاث الدولار الأمريكي ببعض الدعم.
وشهد النفط الخام وسيط غرب تكساس ارتفاعًا جديداً تجاوز 87 دولارا أمريكيا للبرميل بعد أن كسر نطاق 6 دولارات الذي ظل فيه لعدة أسابيع. وقد أدى جني الأرباح بعد أن ارتفعت مخزونات الخام الأسبوعية للأسبوع العاشر على التوالي إلى المتاجرة فيه عند مستوى أقل قرب مستوى الدعم البالغ 83.95 دولارا أمريكيا للبرميل، وهو ما يمثل ذروة شهر يناير الماضي.
ومن منظور تقني، هناك نطاق متاجرة جديد يتبلور حاليًا مع وجود دعم عند مستوى 84 دولارا أمريكيا للبرميل ثم 83 دولارا أمريكيًا للبرميل. وفوق مستوى 87 دولارا أمريكيًا للبرميل، سوف تكون المقاومة عند مستوى مهم هو 90 دولارا أمريكيًا للبرميل، مما يمثل حركة تصحيح بنسبة 50 في المائة لبيع التصفية الذي تراوح بين 147 و33 دولارا أمريكيا للبرميل في عامي 2008 و2009. وعلى مدى أطول، فإن المتوسط المتحرك لمدة 200 يوم قد انخفض عن مستواه خلال 100 أسبوع لأول مرة منذ عام 2003، مما يدل على صعوبة تحقيق مكاسب أخرى فوق سعر 90 دولارا أمريكيًا للبرميل.
وقد أعربت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) مؤخرا عن رضاها عن تراوح سعر النفط بين 70 و80 دولارا أمريكيًا للبرميل، وهي تعلم تمام العلم أن أي ارتفاع مستدام في الأسعار من شأنه أن يعرض التعافي الاقتصادي العالمي للخطر؛ حيث أن أي ارتفاع للأسعار يتجاوز هذا المستوى بكثير في هذه المرحلة من التعافي سوف يؤدي إلى مخاوف من أن نشهد مرحلة ثانية من الركود. وما زال المستهلكون الأوربيون يترنحون من ارتفاع أسعار الطاقة التي تسبب فيها الضعف الذي شهده مؤخرا سعر صرف اليورو أمام الدولار الأمريكي، وهو التحرك الذي يتوقع المتاجرون أن يستمر خلال الأسابيع المقبلة. وتتوقع بنوك وول ستريت الكبرى وصول الأسعار رقما من 3 خانات، مما سيكون تطورا مقلقًا ربما يترتب عليه تضخم مع تأثر عوائد السندات، إلا إذا وطد هذا التعافي دعائمه.
وقد واصل الذهب انفصاله الذي دام شهرا عن الدولار حيث أدى تجنب المخاطر على خلفية الأزمة اليونانية إلى رفع كل من سعر صرف الدولار الأمريكي وسعر الذهب بحيث تمكن الذهب أخيرا من كسر نطاقه الحديث محققًا ارتفاعًا ومتمتعًا بأحسن أسبوع له خلال ثلاثة أشهر.
وقد سادت العلاقة العكسية الثابتة بين الذهب والدولار معظم فترات عام 2009 - باستثناء الربع الأول حيث دفعت توقعات التضخم الذهبَ والدولار إلى الارتفاع واليورو إلى الانخفاض - حتى شهر يناير الماضي، وذلك عندما بدأت المخاوف بشأن الديون السيادية تدفع الذهب والدولار إلى الارتفاع مرة أخرى، حيث تمكن كل من الذهب والدولار الأسبوع الماضي من الارتفاع وحقق الذهب - مسعرا باليورو - ارتفاعات قياسية جديدة.
على المدى القصير، وكما يتبين من خلال الارتفاع الأخير في الطلب على الصناديق المتداولة في البورصة، سوف يحاول الزخم وتجدّد التدفقات المالية دفع الأسعار إلى الارتفاع. وتمثل ذروة شهر يناير عند 1162 دولارا أمريكيا للأوقية مستوى المقاومة التالي يعقبها مستوى 1180 دولارا أمريكيا للأوقية. أما الدعم فسوف يكون عند الذروتين القديمتين 1145 دولارا أمريكيا للأوقية يعقبه 1133 دولارا أمريكيا للأوقية.
وتواصل المعادن الصناعية مثل النحاس والألمنيوم والنيكل تحليقها في ظل إعادة الشركات التزود بالمخزون استباقا لحدوث تعافٍ عالمي في الطلب ومن ثم ارتفاع في نشاط التصنيع. وقد شهد الأسبوع الماضي قفزة مؤشر بورصة لندن للمعادن (LME) الخاص بالمعادن الخسيسة إلى ذروة لم يبلغها منذ 20 شهرا. ولكن التدفقات الاستثمارية ما زالت فيما يبدو المحرك الرئيس، حيث شهدت الأنباء الاقتصادية الإيجابية مواصلة المستثمرين ضخ الأموال في هذا القطاع. وإلى أن تشهد السوق تأكيدا للاستهلاك الفعلي فإن هذه الأسعار المرتفعة عرضة لحدوث تصحيح.
بدأ سعر السكر يشهد استقرارا على الرغم من انخفاضه بنسبة 4 في المائة مقارنة بالأسبوع قبل الماضي. وتتوقع منظمة السكر الدولية التي تتخذ من لندن مقرا لها عجزا عالميًا مقداره حوالي 8 مليون طن. وفي هذه الأثناء، فإن الصين - ثاني أكبر مستهلك للسكر بعد الهند - ربما تزيد وارداتها من السكر بعد أن أثار الجفاف الذي أصاب أحد أقاليمها المنتجة للسكر الشكوك حول إنتاجها. ويرجع البيع المكثف الذي أدى إلى انخفاض سعر عقد السكر تسليم شهر مايو في نيويورك بنسبة 46 في المائة أوائل شهر فبراير الماضي إلى حركة تصحيح في الأسعار، وسيكون أي ارتفاع فوق مستوى 16.45 دولارا أمريكيا للعقد أول بادرة على تحسن التوقعات الفنية.
وأخيرا فإن تكلفة شراء انبعاثات الكربون الأوروبية قد ارتفعت بنسبة 5 في المائة تقريبا خلال الأسبوع الماضي وكانت متجهة إلى أكبر مكسب أسبوعي لها منذ 4 شهور. وقد حدث هذا الارتفاع على خلفية المفاجأة التي تعرض لها المشاركون في السوق بعد مزاد التصاريح الذي أقيم مؤخرا والذي توقع كثيرون أنه سيضغط الأسعار. وفي النهاية فإن أخبار ارتفاع أسعار الكهرباء في ألمانيا، علاوة على المزاد الجيد، دفعت الأسعار إلى الارتفاع، حيث شهدت بورصة إنتركونتيننتال (ICE) أحجام تعاملات قياسيةً في العقود الآجلة تسليم ديسمبر 2010.