قبل سنوات قرأت قصة فكاهية للكاتب المصري الساخر أحمد رجب، وهي تتمحور حول البيروقراطية الحكومية في مصر، وملخص القصة هو أن فلاحاً مصرياً اضطر أن يأتي إلى القاهرة لإنهاء معاملة ما، وذهب إلى المجمع الحكومي الضخم في ميدان التحرير، وسأل عن معاملته، وأجابه الموظف بأنه مثقل بالعمل، ولذلك إذا رغب الفلاح في إنهاء معاملته، فعليه البحث عنها بين أكوام المعاملات، وقضى الفلاح أياماً يفتش دون جدوى، لأن كل يوم يعني أكياساً إضافية من المعاملات. ونجح الموظف في إقناع الفلاح بأن أفضل طريقة للوصول إلى معاملته، هو لو تعاون الفلاح، وساعد الموظف في إنهاء المعاملات، خصوصاً أن مهمة الموظف كانت ختم المعاملات فقط، وفعلاً أبدى الفلاح حماساً في العمل، كل ذلك على أمل أن يصل إلى معاملته، وينهيها، ومن ثم يعود إلى الغيط، وجاموسته... إلخ. وبعد أيام اضطر الموظف، بسبب ظرف طارئ ، أن يسافر إلى قريته، ولم يستطع إقناع رئيسه، إلا بعد أن أقنع الفلاح بتسلم عمله، وتم ذلك.
وبعد أسابيع قلق الفلاح على وضعه، ووجد أن خسارته من ابتعاده عن غيطه هي أكبر من بقائه لإنهاء معاملته، وأصرّ على السفر، وإذا به يواجه بالموظف، وبرئيس الإدارة، وهم في حالة ذعر قصوى، ينكبّون عليه متوسلين ألا يتركهم، لأنهم بحاجة له، ولا يستطيعون إدارة العمل بدونه، ولكنه أصرّ على العودة، وفي ظل ذلك الجو الحزين، ربّت المدير بيده على كتف الموظف، مواسياً، ومطمئناً بأنه سيأتي فلاح آخر، وآخر، وآخر.
هذه القصة ذكرتني بقصة محلية مشابهة، ولو كانت قديمة، ولكن ربما أن مثلها يوجد اليوم في دهاليز حياتنا الحكومية البيروقراطية، وملخص القصة أنه عندما انتهت أحدى الشخصيات السعودية من بناء قصرها، رغب شيخ بحريني بتقديم هدية، واختار ثلاثة حيوانات من إفريقيا (ولنقل إنها طاووس، وزرافة، وغزال)، وعندما نقلها الناقل البحريني من البحرين إلى ميناء الدمام بالقارب ، ثم نقلت الحيوانات بواسطة سكة الحديد إلى الرياض، قدم الناقل فاتورته، وقدرها (200) روبية، إلى سكة الحديد، وأرسلت الفاتورة إلى وزارة المالية بالرياض للصرف. وتأخرت المعاملة عدة سنوات، لغرض تحديد فيما إذا كان دفع الفاتورة هي مسؤولية سعودية، أو بحرينية، وعندما تابع الناقل مطالبته، يبدو أنه أخطأ فبدل اسم أحد الحيوانات بحيوان آخر، ولنقل إنه استبدل الطاووس بنعامة، وعندما عادت تلك المطالبة إلى أحد الموظفين النبهاء، اكتشف الاختلاف، وطلب إحالة الموضوع إلى التحقيق، ووجد الناقل نفسه متهماً بالتزوير، وحاول التنازل عن المبلغ، خصوصاً أن الحيوانات قد نفقت قبل ذلك بوقت طويل، ولكن المحقق رفض التساهل في القضايا الوطنية العليا!! ولم ينقذ الموقف، إلا أن المسؤول في سكة الحديد، وهي الوسيط في الموضوع، بين الرياض، والمنامة، قرر دفن الموضوع، وقام بحفظ المعاملة في منزله، بعيداً عن أنظار الموظفين النبهاء.
كم من هذه الأمور مازالت تحدث في حياتنا؟ وهي قصص تصلح مادة لحلقة من طاش ما طاش!! وشرَ البلية ما يضحك!!