أميركا: القطاع المصرفي يواجه إفلاسات جديدة

22/03/2010 0
د.محمد إبراهيم السقا

افلاس البنوك ليس أمرا غريبا في ظل أوضاع الأزمة، حيث يترتب على الكساد اضطراب أوضاع العديد من المؤسسات المالية نظرا لتوقف مديني هذه المؤسسات عن السداد، أو عجزهم عنه مطلقا، الأمر الذي يؤدي الى تحول قدر من أصول تلك المؤسسات الى ما يسمى بالأصول المسمومة، أو الأصول غير القابلة للتحصيل، وهو ما يؤدي الى تدهور أصول تلك المؤسسات ومن ثم تعرضها لمخاطر الافلاس. وقد شهدت حالات الكساد التي مر بها الاقتصاد الاميركي اخفاق مئات البنوك في بعض الحالات، كما يتضح من الشكل رقم 1 الذي يصور تطور حالات الافلاس بين البنوك الاميركية خلال الفترة من 1934 ــ 2010. خلال هذه الفترة بلغت حالات الافلاس بين البنوك الاميركية أعلى مستوياتها في عام 1989 حينما أعلن عن افلاس 534 بنكا، ووفقا للجنة الفدرالية للتأمين على الودائع بلغ عدد البنوك الاميركية التي أفلست منذ انطلاق الأزمة المالية الحالية 202 منها 25 بنكا في 2008 و140 بنكا في 2009، وحتى كتابة هذا المقال بلغ عدد البنوك التي أفلست حتى يوم الجمعة الماضي 37 بنكا.

في يوم 23 فبراير الماضي أصدرت اللجنة الفدرالية للتأمين على الودائع تقريرها عن أوضاع البنوك الاميركية، وذلك عن الربع الأخير من عام 2009، وقد صنف التقرير 702 بنك اميركي على أنها بنوك مضطربة، يبلغ اجمالي أصولها 403 مليارات دولار، وذلك مقارنة بقائمة البنوك المضطربة في الربع الثالث من العام الماضي والتي شملت 552 بنكا بلغت أصولها 346 مليار دولار. أي أن اللجنة الفدرالية للتأمين على الودائع أضافت حوالي 150 بنكا الى قائمة البنوك المضطربة في الربع الأخير من العام الماضي. هذا لا يعني أن كل هذه البنوك سوف تفلس، أو أن البنوك التي ستعلن افلاسها هذا العام لا بد أن تكون من هذه القائمة، الا أن التقرير يعكس حقيقة أن مشكلة افلاس البنوك الاميركية هذا العام هي بالفعل مشكلة جوهرية ومرشحة للتزايد في المستقبل، وبمعنى آخر من المتوقع أن يشهد هذا العام حالات افلاس أكبر مما شهده العام الماضي.

700 بنك مضطرب

وقد تطورت اعداد البنوك المضطربة خلال الفترة من 1990 ــ2009 حيث بلغت اعداد البنوك في القائمة حوالي 1500 بنك عام 1990، وذلك في خضم الكساد الذي اجتاح الاقتصاد الاميركي خلال هذه الفترة، ثم انخفض العدد في 1991 الى اكثر من 1400 بنك، قبل ان يتراجع الى اقل من مائة بنك في عام 1997، وقد عادت اعداد البنوك المضطربة الى التزايد بدءا من 2008 عندما انطلقت الازمة المالية العالمية الحالية، حيث بلغت اعداد البنوك المضطربة 252 بنكا في 2008 قبل ان ترتفع الى 702 في ديسمبر الماضي.

اصول البنوك المضطربة

من ناحية اخرى فاقت اصول البنوك المضطربة ماليا خلال الفترة من 1990 ــ2009 حيث بلغ اجمالي اصول البنوك المضطربة في 1991 اكثر من 800 مليار دولار، بينما يبلغ اصول البنوك المضطربة في 2009 حوالي 403 مليارات دولار.

وفي هذا الأسبوع بدأت فيما يبدو موجات افلاس البنوك الأميركية في التسارع، والذي كان حافلا للجنة التأمين على البنوك التي أعلنت افلاس 7 بنوك أميركية هذا الأسبوع. بهذا الشكل يسجل هذا الأسبوع أعلى معدلات الافلاس بين البنوك الأميركية هذا العام، من بين هذه البنوك السبع 5 بنوك صغيرة وبنكين متوسطي الحجم. البنك الأول الذي أفلس هو بنك Appalachian Community Bank، وسوف يكلف افلاس هذا البنك صندوق التأمين على الودائع 419.3 مليون دولار. البنك الثاني هو Bank of Hiawassee، وسيكلف افلاس هذا البنك صندوق التأمين على الودائع 137.7 مليون دولار. البنك الثالث هو بنك First Lowndes Bank، وسيكلف افلاسه صندوق التأمين على الودائع 38.3 مليون دولار.

البنك الرابع هو بنك State Bank of Aurora، وسوف يكلف افلاس هذا البنك صندوق التأمين على الودائع 4.2 ملايين دولار. البنك الخامس هو بنك Century Security Bank، وسوف يكلف افلاسه 29.9 مليون دولار، البنك السادس هو بنك Advanta Bank Corp، وسوف يكلف افلاسه صندوق التأمين على الودائع 635.6 مليون دولار، البنك السابع هو بنكAmerican National Bank، وسوف يكلف افلاس هذا البنك صندوق التأمين على الودائع 17.1 مليون دولار.

تكلفة الإفلاس

ويبلغ اجمالي تكلفة افلاس هذه البنوك على الصندوق الفدرالي للتأمين على المودعات 1382 مليون دولار، بهذا الشكل يصل عدد البنوك الأميركية التي أفلست منذ بداية العام حتى يوم الجمعة الماضي 37 بنكا. تسارع وتيرة افلاس البنوك المتوقع سوف يؤدي الى ضغوط كبيرة على صندوق التأمين على الودائع الذي يواجه عجزا كبيرا حاليا، مما يعني ضرورة لجوء الصندوق الى الاقتراض من الاحتياطي الفدرالي لمواجهة الالتزامات المالية المترتبة على عمليات الافلاس. أتوقع أن يصل عدد البنوك الأميركية التي ستعلن افلاسها هذا العام بين 200 و 250 بنكا، وذلك وفقا للمعلومات المتاحة حتى هذه اللحظة، وأنا في انتظار المزيد من المعلومات التي على أساسها أقوم بتعديل هذا التنبؤ اما الى الأعلى أو الى الأسفل.

شركات الاستثمار الكويتية مجرد محافظ وعلى المركزي لجمها

ربما يتبادر الى الذهن سؤال مهم جدا، اذا كان القطاع المصرفي الأميركي بالرغم من ضخامة حجمه ومتانة المراكز المالية للبنوك فيه على المستوى الدولي يشهد انهيارات للبنوك واحدا تلو الآخر، فلماذا لم نشهد انهيارا لشركات الاستثمار في الكويت؟ لقد كان من المنتظر أن يعلن عدد لا بأس به من شركات الاستثمار عن افلاسه نتيجة للازمة، أخذا في الاعتبار تحقيق عدد كبير من هذه الشركات لخسائر كبيرة، على الأقل من الناحية الدفترية. في رأيي أن الاجابة عن هذا السؤال في منتهى البساطة، وهي أن الغالبية العظمى من هذه الشركات ليست شركات استثمار بالمعنى المتعارف عليه، وأن الجانب الأكبر من هذه الشركات هو مجرد محافظ استثمارية للمضاربة في البورصة، وبما أن البورصة تواجه تراجعا في المؤشر العام لها، فان محافظ هذه الشركات، مثلها مثل محافظ أصغر المستثمرين في البورصة تتعرض للخسارة على الأقل مرحليا، أي في هذه الفترة الزمنية للأزمة، ومن ثم فان الأوراق المالية التي تشكل محافظ هذه الشركات مازالت موجودة، وان كانت مقيمة بأسعار أقل، وأنه ما ان يستعيد السوق عافيته، فسوف ترتفع أسعار الأسهم، ومعها ترتفع القيم السوقية لمحافظ تلك الشركات وبالتالي سوف تعود مرة أخرى الى النشاط وتحقيق الأرباح التي كانت تحققها مسبقا قبل حدوث الأزمة وانهيار السوق.

لو كانت شركات الاستثمار في الكويت تمارس نشاطا استثماريا حقيقيا، لتعرضت بالفعل للضغوط الحقيقية للازمة على نشاطها الحقيقي، ولحققت تلك الشركات خسائر حقيقية، وليس خسائر دفترية، ولكنا بالتبعية قد شهدنا حالات افلاس كبيرة بينها. والآن هل هذا النمط لهيكل شركات الاستثمار يمثل ميزة لاقتصاد الكويت؟ الاجابة بالطبع هي لا، بالعكس مثل هذا النمط من النشاط لشركات الاستثمار يمثل مصدر خطر كبيرا على استقرار سوق الأوراق المالية، وأعتقد أنه من الواجب على البنك المركزي أن يمنع هذا الاتجاه بين شركات الاستثمار وأن يصدر من الاجراءات ما يحظر على شركات الاستثمار أن يكون نشاطها الأساسي هو المضاربة في السوق، أو أن يضع حدا أقصى على نسبة الأصول التي تمتلكها هذه الشركات في صورة استثمار في الأوراق المالية الى اجمالي أصولها، والا تعرضت هذه الشركات لسحب تراخيصها. وبمعنى آخر ينبغي أن تدرك شركات الاستثمار أن المضاربة في سوق الأوراق المالية لا بد وأن يكون نشاطا ثانويا بالنسبة لها، وأن تتركز أعمالها ونشاطها الأساسي في الاستثمار بمعناه التقليدي المعروف، وليس في المضاربة.