يُعدّ التيسير الكمي إحدى أهم أدوات السياسة النقدية، حيث يقوم البنك المركزي بشراء السندات وضخ سيولة كبيرة في النظام المالي بهدف خفض أسعار الفائدة وتنشيط النشاط الاقتصادي. ولا يقتصر أثر هذه السياسة على تكلفة التمويل أو حجم السيولة فحسب، بل يمتد ليؤثر بصورة مباشرة في تقييم الشركات وآليات تسعير الأصول داخل الأسواق المالية.
أولاً: تأثير التيسير الكمي على حركة السوق
- 1. ارتفاع شهية المخاطرة لدى المستثمرين
- يؤدي انخفاض العوائد على السندات وزيادة مستويات السيولة إلى توجه المستثمرين نحو الأصول ذات المخاطر الأعلى، مثل الأسهم، مما يرفع أسعارها بوتيرة تفوق المعتاد نتيجة تدفق السيولة نحوها.
- 2. تحسن ظروف التمويل
- يسهم انخفاض أسعار الفائدة في تقليل تكلفة الاقتراض، الأمر الذي يتيح للشركات فرص التوسع والاستثمار، وبالتالي ارتفاع تقييماتها السوقية.
- 3. تعزيز المعنويات والثقة في الأسواق
- وجود البنك المركزي كمشتري رئيسي للأصول يوفر ما يشبه “شبكة أمان” للسوق، ما يدفع المستثمرين إلى زيادة مراكزهم الاستثمارية بثقة أكبر.
- 4. تضخم أسعار الأصول
- غالباً ما ترتفع أسعار الأصول إلى مستويات تفوق النمو الاقتصادي الحقيقي، مما يؤدي إلى تضخم تقييمات الشركات بصورة غير مستدامة.
ثانياً: أثر التيسير الكمي على تقييم الشركات
- 1. انخفاض تكلفة رأس المال
- يسهم انخفاض أسعار الفائدة في رفع القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية، مما يزيد من تقييم الشركات حتى في غياب نمو تشغيلي فعلي. وبذلك، يكون جزء كبير من الارتفاع “محاسبياً” لا يعكس توسعاً حقيقياً في الأعمال.
- 2. ارتفاع مضاعف الربحية (P/E)
- مع زيادة أسعار الأسهم دون تحسن مماثل في الأرباح، يرتفع مضاعف الربحية إلى مستويات قد تكون غير مستدامة، مما يجعل التقييمات أكثر حساسية لأي تباطؤ في الأرباح أو لأي رفع مفاجئ في الفائدة.
- 3. زيادة عمليات إعادة شراء الأسهم
- تستغل الشركات انخفاض تكلفة الاقتراض لتمويل عمليات إعادة شراء الأسهم، مما يخفض عدد الأسهم القائمة ويُظهر ربحية السهم بمستوى أعلى. إلا أن هذا التحسن غالباً لا يعكس قوة تشغيلية حقيقية، بل هو نتيجة لظروف تمويل ميسّرة.
- 4. انفصال التقييم عن الأداء التشغيلي
- قد ترتفع القيمة السوقية للشركة رغم ثبات هوامشها التشغيلية أو إيراداتها، وهو ما يُعد أحد أبرز مخاطر السيولة الزائدة، إذ يحدث انفصال بين السعر والقيمة الفعلية.
ثالثاً: تقييم نقدي لآثار التيسير الكمي على الشركات
الإيجابيات
- • تسهيل حصول الشركات على التمويل بتكلفة منخفضة.
- • تعزيز قدرتها على الاستثمار والتوسع.
- • دعم الشركات خلال فترات الركود وتحسين أوضاعها المالية.
السلبيات
- • تضخم التقييمات بصورة تتجاوز القيمة العادلة.
- • احتمال نشوء فقاعات سعرية، خصوصاً في الشركات ذات الأرباح الضعيفة أو غير المستقرة.
- • تشجيع ممارسات مالية قصيرة الأجل مثل إعادة شراء الأسهم بدلاً من الاستثمار الرأسمالي طويل الأجل.
الخلاصة
إن التيسير الكمي قادر على رفع تقييم الشركات بشكل سريع، إلا أنه لا يخلق نمواً اقتصادياً حقيقياً من تلقاء نفسه. فقد تبدو الأسواق قوية خلال فترات السيولة العالية، غير أن جودة هذا الصعود تعتمد على مدى ارتباط التقييمات بالأرباح والأداء التشغيلي، وليس بمجرد تدفق السيولة.
خاص_الفابيتا


