كيف تُضلل المؤشرات المالية قرارات الاستثمار

20/05/2025 0
محمد الشعيبي

في عالم الاستثمار، يعتمد العديد من المستثمرين على مؤشرات مالية شائعة عند اتخاذ قراراتهم، ولكن في كثير من الأحيان قد تكون هذه المؤشرات مضللة إذا تم تحليلها بشكل منفرد أو دون أخذ السياق الكامل بعين الاعتبار. سنستعرض في هذا المقال بعض الأمثلة المضللة التي قد يواجها المستثمرون وكيف يمكن تجنب الوقوع في فخ هذه الأخطاء.

أحد أبرز المؤشرات التي يُساء استخدامها هو مؤشر مكرر الربحية (P/E Ratio) هذا المؤشر يُحسب من خلال قسمة سعر السهم على أرباح الشركة السنوية. يبدو أن مكرر الربحية المنخفض يشير إلى فرصة استثمارية مغرية، إلا أن هذا ليس دائمًا صحيحًا. على سبيل المثال، قد تكون شركة ما في مرحلة توسع كبيرة، سواء في أسواق جديدة أو في استثمارات ضخمة لم تحقق بعد نتائج ملموسة. في هذه الحالة، يكون مكرر الربحية المنخفض مجرد انعكاس لتوقعات السوق بشأن الأرباح المستقبلية التي لم تتحقق بعد. وبالتالي، فإن الاعتماد على هذا المؤشر فقط قد يؤدي إلى استثمار غير مدروس. مثال: شركة تسلا في مراحلها المبكرة كانت تتمتع بمضاعف ربحية مرتفع جدًا بسبب استثماراتها الكبيرة في الأبحاث والتطوير وتوسعاتها المستقبلية. رغم أن بعض المستثمرين كانوا يعتبرون هذا المضاعف إشارة إلى أن السهم "مبالغ في قيمته"، إلا أن النمو الكبير في مبيعات السيارات الكهربائية والتوسع في أسواق جديدة جعل هذا الاستثمار مجديًا في النهاية.

من الأمثلة الأخرى مؤشر العائد على حقوق الملكية (ROE) الذي يستخدمه العديد من المستثمرين لتقييم كفاءة الشركة في استخدام رأس المال لتحقيق الأرباح. وعلى الرغم من أن هذا المؤشر يمكن أن يظهر أرقامًا مرتفعة، إلا أنه قد يكون مضللاً في بعض الحالات. شركة ذات مديونية مرتفعة قد تحقق عائدًا مرتفعًا على حقوق الملكية نتيجة استخدام الأموال المقترضة. في هذه الحالة، قد تبدو الأرباح قوية، لكن هذه الأرباح قد تكون غير مستدامة إذا ما تم النظر إلى مستوى الدين المرتفع. لذا، فإن ارتفاع العائد على حقوق الملكية قد لا يعكس الكفاءة التشغيلية الفعلية للشركة بقدر ما يعكس استخدام الديون. مثال: شركة "مايكروسوفت"، رغم أنها حققت نسب عائد مرتفعة على حقوق الملكية بسبب استثماراتها في قطاع البرمجيات والتقنيات السحابية، إلا أن زيادة اعتمادها على بعض العمليات التي تمول عبر القروض قد تجعل هذا العائد ليس مؤشرًا دقيقًا على كفاءتها التشغيلية على المدى الطويل.

كما أن بعض الشركات تلجأ إلى التوسع إلى أسواق جديدة أو تطوير منتجات مبتكرة عندما تواجه حدود النمو في أسواقها التقليدية. بينما قد تبدو هذه الخطوات فرصة للنمو وتعزيز الإيرادات، إلا أن التوسع في أسواق جديدة يحمل في طياته مخاطر كبيرة. قد تواجه الشركة تحديات تتعلق بالتكيف مع ثقافة السوق الجديدة، أو قد تفتقر إلى الخبرة المحلية لمواجهة المنافسة. مثال: شركة "أمازون" توسعت بشكل كبير في العديد من الأسواق العالمية، ولكن كانت تواجه تحديات كبيرة عند دخولها إلى السوق الهندي. حيث كانت الشركة بحاجة إلى التكيف مع القوانين المحلية وموارد العمل، مما جعل بداية توسيعها إلى الهند مليئة بالتحديات.

مؤشر العائد على الاستثمار (ROI) هو أيضًا من المؤشرات التي قد تكون مضللة. يستخدم هذا المؤشر لتقييم كفاءة الاستثمار، حيث يقيس العائد مقابل التكلفة. لكن، قد يظهر هذا المؤشر أرقامًا مغرية على المدى القصير، مما يجعل المستثمر يعتقد أن الاستثمار جيد. ومع ذلك، قد تكون هذه العوائد غير مستدامة إذا كانت تعتمد على عوامل مؤقتة أو إذا كان الاستثمار في مجال ذو مخاطر عالية. مثال: استثمار شركة "نيكولا" في السيارات الكهربائية، حيث تم الإعلان عن شراكات وصفقات ضخمة ساعدت في رفع العوائد بشكل مؤقت، ولكن على المدى الطويل تبين أن التكنولوجيا لم تكن جاهزة كما تم الترويج لها، ما أدى إلى تقلبات حادة في قيمة السهم وعدم استدامة العوائد.

وأخيرًا، نجد أن التوزيعات المرتفعة للأرباح قد تكون مغرية للكثير من المستثمرين الذين يسعون إلى دخل ثابت. ولكن، في بعض الأحيان، قد تكون التوزيعات العالية للأرباح غير مستدامة. على سبيل المثال، قد تقوم الشركة بتوزيع جزء كبير من أرباحها على المساهمين في الوقت الذي تحتاج فيه إلى استثمار المزيد من الأموال في البحث والتطوير أو في توسيع أعمالها. هذا يعني أن التوزيعات المرتفعة قد تأتي على حساب استدامة النمو في المستقبل. مثال: شركة "كوكاكولا"، في فترة من الفترات، كانت تقوم بتوزيع أرباح ضخمة على المستثمرين بينما كانت بحاجة إلى تجديد استراتيجياتها التسويقية واستثمار المزيد في تطوير المنتجات الصحية التي تواكب توجهات السوق الجديدة.

من هنا، يتضح أن الاعتماد على مؤشر واحد أو مقياس مالي واحد يمكن أن يكون مضللاً. المفتاح هو إجراء تحليل شامل ومتكامل يأخذ في اعتباره جميع العوامل المالية والاستراتيجية المتعلقة بالشركة. ينبغي على المستثمرين دراسة كل مؤشر بعناية، والتأكد من فهم سياقه الكامل وربطه بالأهداف الاستراتيجية للشركة. كما يجب أن يتم فهم المخاطر المرتبطة بكل استثمار، بما في ذلك مستوى الدين، الاستدامة المستقبلية للأرباح، والقدرة على التكيف مع التغيرات الاقتصادية والتجارية.

إن اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة يعتمد على فحص دقيق ومتوازن لكل الجوانب المالية والعملية، مما يعزز الفرص لتحقيق عوائد مستدامة ويقلل من المخاطر المحتملة.

 

 

خاص_الفابيتا