للمشاريع جانب اقتصادي مهم لا يقل أهمية عن الجانب العلمي والعملي، يتمثّل في حاجة المشاريع، وحاجة فريق العمل للجانب المادي، ولا غنى للمجتمع عن مخرجات المشاريع من منتجات وخدمات، ونتائج ذات الجودة والكفاءة، ومن هنا جاءت الحاجة لاقتصاديات المشاريع؛ العلم الذي ينظر للمشاريع من خلال منظور اقتصادي، فهو يسعى لإدارة المشاريع مع تحقيق الأهداف الاقتصادية. ويهتم بتحليل العائد المادي والقيمة من المشاريع وفق التكلفة والإنتاجية، بمعنى قياس المخرجات في ضوء المدخلات. ومواكبة التطورات العالمية المعرفية، والاقتصادية المعاصرة تُعد من أبرز التحديات التي تواجه إدارة المشروعات في جميع دول العالم منذ بدايات القرن الحادي والعشرين. ليست المواكبة فحسب، بل قدرة المشروعات أيضاً على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة للمجتمعات فضلاً عن مواءمة مخرجات المشروعات لسوق العمل.
لذا نجد أغلب المنظمات الحديثة الحالية تخصص جزءاً كبيراً من موازنتها على المشروعات، وذلك للنهوض بالمنظمات، وتنميتها لكي ينعكس إيجابياً على المجتمع والدولة بشكل عام، والاقتصاد بشكل خاص. رغم أن إنفاق الدول على المشروعات يختلف من دولة لأخرى، لكن في جميع الحالات نجد أن إدارة المشروعات مكلفة، ومرهقة للموازنة في معظم الدول. والمملكة العربية السعودية كغيرها من الدول تسعى إلى تحقيق رؤيتها المستقبلية في تنمية وتطوير المشاريع المستدامة للوصول إلى تنميةٍ اقتصادية تحقق متطلبات الحاضر بكفاءة، وتفي بتطلعات المستقبل، وتحسن جودة الحياة من دون تهديد للموارد الطبيعية والاقتصادية.
لقد شهدت عمليات إدارة المشروعات في المملكة نمواً كبيراً من خلال المبادرات، والمشاريع، والبرامج، التي تسلّط الضوء على بعض التحديات التي تواجه المشاريع، والتي تحد من جاهزية فرق العمل لمتطلبات سوق العمل المستقبلي المحلي والدولي، ومنها ضعف مواءمة مخرجات المشاريع، ونواتجها مع متطلبات سوق العمل المتنامية، والعمل على مشاريع غير مطلوبة بسوق العمل، إلى جانب قلة الخبرة المهنية، والتطبيقية في المجالات ذات الطلب المرتفع، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة.
مفهوم اقتصاديات المشاريع وتعريفها
ما كان ليظهر فرع خاص باقتصاديات المشاريع لولا العلاقة المتينة بين الاقتصاد والمشاريع، فمن جهة يسهم مستوى المشروعات في تحديد مستوى إنتاجية العمل، ومن ثم في مستوى النمو الاقتصادي، ومن جهة أخرى يتحدد مستوى الإنفاق على المشروعات، ومن ثم مستوى المشروع ذاته، بمستوى التطور الاقتصادي في البلد المعني. ومن الملاحظ أن مستوى المشاريع في الدول المتقدمة الغنية أعلى من مثيله في الدول النامية، والسبب الرئيس في ذلك يرجع إلى المخصصات التي توفرها البلدان المتقدمة للإنفاق على المشروعات.
أما المشروع يعرّف بأنّه: عمل يقوم به الفرد لينفّذ فكرةً معيّنة، سواء كانت عبارةً عن منتج أو خدمة، ويستخدم المشروع لتنفيذ هذه الفكرة بعض الموارد الرئيسيّة؛ كالموارد الماليّة، والمعرفيّة، وكادر العمل. كما أنّ المشروع يقدّم خدمةً؛ أي أنّه يحلّ مشكلةً مجتمعيّةً، ويكون ذلك مقابل شيء ماديّ. والمشروع نشاطٌ تلقائيّ من أجل تحقيق غرض، ويتمّ في بيئة اجتماعيّة عاديّة. والمشروع نشاطٌ مقيّد بزمن، يتمّ القيام به من أجل تقديم منتجٍ، أو خدمة لتحقيق تغييرٍ مقصود.
وتعريف المشروع كما ورد في المعهد الأمريكي لإدارة المشاريع PMI في الدليل المعرفي لإدارة المشاريع PMBOK® Guide – Project Management Institute (PMI): "جهد مؤقت يُبذل لإنتاج منتج أو خدمة أو نتيجة فريدة."
مراحل المشروع
أ- مرحلة البدء (Initiation): هي المرحلة التي يتمّ فيها تحديد فكرة المشروع، والقيام بتطويرها؛ حيث إنّ فكرة المشروع غالباً ما تكون نابعةً عن حاجة بشكل عام، ومن الطّبيعي الوصول إلى عدد من الأفكار الّتي تتم غربلتها للوصول إلى الصّالح منها، والّذي يسهّل تنفيذه على أرض الواقع. ومن ثم وضع ميثاق المشروع (Project Charter). وتحديد الأهداف والمخرجات الأولية.
ب- مرحلة التخطيط (Planning): هي المرحلة التي يتم فيها وضع الإطار العام للمشروع من خلال إعداد خطة إدارة المشروع. وتحديد نطاق العمل، والجدول الزمني، والميزانية. ووضع خطط للمخاطر، والموارد، والجودة، والاتصالات.
ج- مرحلة تنفيذ المشروع: Execution: هي المرحلة التي يتمّ فيها تطبيق المشروع والإشراف عليه، وتسجيل ما تمّ تنفيذه. من الأعمال حسب خطة المشروع. وإدارة الفرق والموارد. والتواصل مع أصحاب المصلحة، وضمان تحقيق المخرجات.
د- مرحلة المراقبة والتحكم (Monitoring & Controlling): ومتابعة تقدم المشروع مقابل الخطة.
وقياس الأداء بالمؤشرات (KPIs). وإجراء التعديلات والتصحيحات اللازمة. ويتمّ التقييم أيضاً بعد التّنفيذ للمقارنة ما بين النّتائج النهائيّة، ومدى وصول المشروع لهذه النتائج.
هـ- مرحلة الإغلاق (Closing): وتكون من خلال استكمال وتسليم مخرجات المشروع. وإنهاء العقود، وإطلاق الموارد.
وتوثيق الدروس المستفادة. وباختصار: البدء → التخطيط → التنفيذ → المراقبة والتحكم → الإغلاق.
الخاتمة
نخلص من هذه الدراسة إلى أن اقتصاديات المشاريع في الشركات الاستثمارية تشكّل الإطار العملي، الذي يحدد درجة نجاحها في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، ويؤثّر بصورة مباشرة في قدرتها على التوسع، والنمو، والمنافسة في بيئات تتسم بالتقلبات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة. ومن خلال التحليل يتبين أن إدماج البعد الاقتصادي في جميع مراحل إدارة المشروع، بدءًا من دراسة الجدوى مرورًا بالتخطيط، والتنفيذ، وصولاً إلى التقييم، يعد شرطاً أساسياً لتعظيم القيمة المضافة، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد. كما أن نجاح المشاريع الاستثمارية لا يقاس فقط بالعائد المالي المباشر، بل يمتد ليشمل المردود الاجتماعي، والتنمية المستدامة ودعم الابتكار المؤسسي.
وفي ضوء النتائج المستخلصة، يمكن اقتراح عدد من التوصيات التي من شأنها تعزيز فعالية اقتصاديات المشاريع في الشركات الاستثمارية:
1.ضرورة إجراء دراسات جدوى شاملة، وعميقة تدمج الجوانب المالية، والفنية، والسوقية، والبيئية قبل اعتماد أي مشروع استثماري.
2.تبني منهجيات حديثة لإدارة المشاريع، ولا سيما المنهجيات الرشيقة والهجينة، بما يتلاءم مع طبيعة الأسواق المعاصرة ومتغيراتها السريعة.
3.تعزيز أنظمة إدارة المخاطر من خلال إدخال آليات استشرافية، وتوقعية تحدّ من احتمالات الفشل، وتزيد من مرونة الاستجابة.
4.العمل على تنويع الاستثمارات، والمشاريع لضمان توزيع المخاطر، وتحقيق توازن مستدام بين المشاريع قصيرة الأجل، وطويلة الأجل.
5.دعم الابتكار المؤسسي عبر الاستثمار في البحث، والتطوير، وتبني التقنيات الحديثة بما يعزز الميزة التنافسية للشركات.
6.الاستثمار في تطوير رأس المال البشري من خلال برامج تدريبية متقدمة في مجالات إدارة المشاريع، والاقتصاد الاستثماري.
7.تفعيل منظومات مؤشّرات الأداء الرئيسية (KPIs) كأداة علمية لقياس فعالية المشاريع، وربط مخرجاتها بالأهداف الاستراتيجية للشركات.
وبناءً عليه، فإن تكامل اقتصاديات المشاريع مع سياسات واستراتيجيات الشركات الاستثمارية يمثّل أحد المرتكزات الجوهرية لتعزيز النمو الاقتصادي، وترسيخ ممارسات التنمية المستدامة، وضمان استدامة الميزة التنافسية في الأسواق المحلية والعالمية.
المقالة منشورة في "نشرة الاقتصاد" الصادرة عن جمعية الاقتصاد السعودية، عدد ربيع الأول 1447 هـ - سبتمبر 2025.


