رواتب القطاع الخاص

29/10/2025 0
حسين بن حمد الرقيب

يشكل التضخم المستمر عبئًا يوميًا على دخل الفرد وقدرته على تلبية احتياجاته الأساسية، إذ تتسارع وتيرة ارتفاع الأسعار أكثر من نمو الرواتب، مما يضطر المواطن إلى إعادة ترتيب أولوياته مع كل شهر جديد. ورغم الجهود المبذولة لتحسين الدخل ورفع مستوى المعيشة، يبقى الأثر محدودًا ما لم يضطلع القطاع الخاص بدوره في رفع الأجور ومواكبة تكاليف الحياة. فالمواطن اليوم بحاجة إلى أن يلمس تحسنًا حقيقيًا في قدرته الشرائية ينعكس على تفاصيل حياته اليومية.

بينما الاقتصاد ينمو، وتزداد أرباح الشركات وتتضاعف إيراداتها، تبقى رواتب كثير من العاملين في القطاع الخاص دون تغيير يذكر. الفجوة بين أرباح الشركات ورفاهية الموظف تتسع، وتضعف أثر أي جهود حكومية لتعزيز القوة الشرائية وتحفيز الطلب المحلي. هذه المعادلة الخاطئة تهدد ديناميكية السوق المحلية واستدامة الاقتصاد على المدى الطويل.

المشكلة ليست التضخم وحده، بل طريقة تعامل القطاع الخاص معه. الأجور تُنظر أحيانًا على أنها تكلفة يجب تقليصها، لا استثمار في رأس المال البشري. النتيجة: استهلاك أقل، إنتاج محدود، واستقرار اجتماعي هش. الاقتصاد لا يمكن أن يزدهر إذا لم يكن المواطن قادرًا على تلبية احتياجاته، وأي نمو بدون أجور عادلة يظل نموًا ناقصًا.

المرحلة المقبلة تتطلب مراجعة شاملة لسياسات الأجور، وربطها بالإنتاجية ومعدلات التضخم. ويجب أن يصبح «الدخل الكافي للحياة الكريمة» معيارًا وطنيًا يُقاس ويُتابع دوريًا. رفع الرواتب ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان استدامة النمو وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو الأساس لأي استقرار اقتصادي حقيقي.

في النهاية، لا يمكن أن نغفل أن استدامة أي اقتصاد تبدأ من المواطن نفسه، ومن قدرته على العيش بكرامة. الأجور ليست مجرد أرقام، بل انعكاس لقيمة الإنسان وجهده، وقياس حقيقي لنجاح السياسات الاقتصادية... يجب أن يتحمل القطاع الخاص دوره بجديّة، وأن يصبح رفع الدخل جزءًا من ثقافة الأعمال، لا مجرد خيار. فالمسؤولية مشتركة، والنتيجة واضحة: اقتصاد قوي، سوق نشطة، ومواطن يعيش بكرامة وثقة في مستقبله.

 

نقلا عن جريدة الرياض