هل انتهت مرحلة التضخم؟

21/09/2025 2
د. فهد الحويماني

خفض معدلات الفائدة الأمريكية والسعودية هذا الأسبوع يثير تساؤلات عديدة عما إذا كان قد تم الانتصار على التضخم، وأن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه قبل 2022، ولا سيما أن سبب الرفع المتواصل لأسعار الفائدة من دون 1% إلى أكثر من 5% يعود إلى موجة تضخم الأسعار التي ابتعدت كثيراً عن 2%، المعدل السنوي المقبول للفيدرالي. لذا علينا قراءة التوقعات الاقتصادية لأعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع ومقارنتها بتوقعاتهم قبل 3 أشهر، لمعرفة كيف يفكرون وبمَ يفكرون، حيث نجد أن الاختلاف الكبير في توجه الفيدرالي أنه الآن يركز على سوق العمل أكثر من معدل التضخم، الذي بالفعل انخفض من 8% قبل 3 أعوام إلى 3% حالياً، لكنه لا يزال غير مستقر ومعرض لمزيد من التذبذب، فالتخوف الآن ينظر إليه من زاوية سوق العمل.

قبل التوسع في استعراض توقعات خبراء الفيدرالي، من المهم تصحيح المفهوم الخاطئ في الاعتقاد بأن على من يريد أخذ قرض شخصي أو عقاري الانتظار إلى ما بعد إعلان خفض الفائدة كي يستفيد من خفض الأسعار، فذلك في الواقع لا يفيد كثيراً ولا جدوى من الانتظار، لأن الأسعار سبق أن أخذت كل ذلك في الحسبان منذ أسابيع وأشهر طويلة.

بمعنى أنه بعد يوم الإعلان تتحرك أسعار الفائدة بحسب المتغيرات الاقتصادية المعتادة، إضافة إلى أي معلومات إضافية تصاحب إعلان الخفض، وهذا دائماً صحيح طالما أن قرار الخفض تم الإعلان عنه في وقت سابق، أو أن التوقعات شبه متفقة على ذلك. لذا لا تستغرب حين تجد أن معدلات الفائدة في المجمل ارتفعت بعد إعلان الخفض - لم تنخفض - ولا تزال عوائد السندات الطويلة آخذة في الارتفاع، فمثلاً اليوم سندات 5 و10 و20 عاماً أعلى بكثير عن العام الماضي، بنسب تراوح بين 50 و70 نقطة أساس. في المقابل، نجد السندات قصيرة المدى هي التي تتفاعل أكثر مع تغير أسعار الفائدة، ويرجع ذلك لكون دور الفيدرالي محدودا في السيطرة على الفائدة قصيرة الأجل.

من جهة سوق العمل، فالفيدرالي يعتبر تراخي سوق العمل وشدتها بمنزلة مؤشر لنسبة التضخم، فكلما اشتدت سوق العمل، أي انخفضت البطالة وزادت الوظائف وكثرت التنقلات بين الوظائف وارتفعت الأجور، فهذا يدل على مواصلة التضخم، لذا اليوم الفيدرالي يتحدث عن تراخي سوق العمل، بمعنى ألا خوف من التضخم، وبالتالي فلا بأس من خفض معدل الفائدة ربع نقطة مئوية. ومع ذلك، فقراءة توقعات الفيدرالي للأعوام الثلاثة المقبلة تعطي دلالات متنوعة ومفيدة، فمثلاً ارتفعت توقعاتهم حول النمو الاقتصادي الحقيقي من 1.4% لعام 2025 إلى 1.6%، وارتفاعات أكثر في السنوات المقبلة.

ما يعني أن الفيدرالي لا يرى ركوداً أو تراجعاً في النمو، وهذا أمر جيد. وحتى البطالة التي هي حالياً عند 4.5%، من المتوقع استقرارها أو انخفاضها قليلاً في السنوات المقبلة، ومرة أخرى، انخفاض معدل البطالة كثيراً أمر غير مرغوب فيه من قبل الفيدرالي. كذلك نسب التضخم بمقاييس CPI أو CPE جميعها تشير إلى تراجع إلى قرب 2% المعدل المستهدف، وبالتالي يرى الفيدرالي أن معدل الفائدة سينخفض بنهاية 2025 أكثر من توقعاته السابقة ليصل إلى 3.6%، وسيستمر في النزول إلى 3.1% بنهاية 2028.

هذا يعني أن تكاليف الاقتراض الشخصي والعقاري آخذة في الانخفاض على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بحسب ما لدينا من معلومات وتوقعات من خبراء الفيدرالي وغيرهم، ومرة أخرى إذا كان هناك مزيد من الانخفاض قبل نهاية العام، فهل التريث في الاقتراض له فائدة؟ الجواب: لا جدوى من الانتظار، لأن الأسعار قبل هذا الأسبوع وخلاله وبعده، قد أخذت كل ذلك في الحسبان، ولن تتأثر الأسعار إلا بمعلومات جديدة غير معروفة حالياً، علماً بأن خفض الفائدة في الاجتماعين المتبقيين قبل نهاية العام ليس قراراً نهائياً، بل إنه مجرد توقعات الفيدرالي، وهي توقعات غير ملزمة، إلا أن نسبة حدوث ذلك أخذت في الارتفاع بعد الإعلان عن الخفض وما صحبه من توقعات.

خلاصة الكلام أن الفيدرالي بدأ يركز على حركة سوق العمل، ومنها يقرر وجهة مسار الفائدة، وليس فقط من خلال قراءة مؤشرات التضخم، الذي يظهر بشكل أفضل من السابق، كما أن التوقعات تشير إلى سيطرة معقولة على التضخم إلى عام 2028 مع بقائه دون 3% واقترابه إلى 2%، النسبة المستهدفة.

وبالنظر إلى منحنى عوائد الاستحقاق، نجد أن المنحنى بدأ يستعيد شكله الطبيعي من حالة الانعكاس التي لازمته منذ 2022، لذا نرى العوائد طويلة المدى أعلى من المتوسطة وأعلى من قصيرة المدى، هذا على الرغم من أن المنحنى لم يأخذ تماماً الشكل الطبيعي حتى الآن، إلا أن تعافيه من الانعكاس يعد إشارة إيجابية للمرحلة المقبلة.

 

نقلا عن الاقتصادية