الذكاء الاصطناعي يغير قواعد اللعبة في إدارة المشاريع ومحافظها

01/09/2025 0
د. سعود بن جبير

في زمن التحولات الرقمية المتسارعة، لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفًا تقنيًا أو أداة للعرض فحسب. بل أصبح حجر الزاوية في العمليات المؤسسية الحديثة، وعلى رأسها إدارة المشاريع وإدارة المحافظ. ولعل ما كان يُعدّ يومًا خيالًا علميًا، أصبح اليوم واقعًا يدير ملايين الريالات من الميزانيات، ويوجه آلاف القرارات الإستراتيجية.

إدارة المشاريع والمحافظ.. ما الفرق؟

رغم التشابه بين المصطلحين، فإن لكلٍ منهما نطاقًا وظيفيًا مختلفًا. فإدارة المشاريع تُعنى بقيادة مشروع فردي نحو تحقيق أهدافه، بينما تُعنى إدارة محافظ المشاريع بالإشراف الاستراتيجي على مجموعة من المشاريع بما يخدم أهداف المنشأة الكبرى.

ويُعد هذا التكامل بين المجالين أساسًا لنجاح أي منظمة تعتمد على مبادرات متعددة، وهو ما يعزز من أهمية دمج الذكاء الاصطناعي في كلا المستويين.

تكامل استراتيجي

تكمن قوة الذكاء الاصطناعي في قدرته على الربط بين الاستراتيجية والتنفيذ. فبينما تحدد إدارة المحافظ الاتجاه العام، تُنفّذ إدارة المشاريع التفاصيل الميدانية. ويضمن التكامل بين الذكاء الاصطناعي وهذين المسارين تحقيق أهداف المؤسسة بكفاءة أعلى، ورؤية أكثر وضوحًا.

من النماذج الورقية إلى الخوارزميات الذكية

إدارة المشاريع، التي كانت تعتمد تقليديًا على جداول إكسل وخبرة المديرين، تشهد اليوم ثورة يقودها الذكاء الاصطناعي. أدوات مثل ClickUp AI وWrike تقدم تقارير صحية تلقائية، وتوصيات دقيقة لتوزيع المهام، وتنبيهات ذكية للمخاطر المحتملة.

أما على صعيد إدارة المحافظ، فالمشهد لا يقل دراماتيكية. منصات مثل Mach-AI وClarity PPM with AI توظف تحليلات تنبؤية لتحديد أي المشاريع تستحق التمويل، وأيها يجب تعليقه. إنها ثورة في كيفية اتخاذ القرار الاستثماري، مدعومة بالبيانات لا بالتكهنات.

الذكاء الاصطناعي في الميدان

تشير أحدث التطبيقات إلى توسع استخدام الذكاء الاصطناعي في مراحل المشروع كافة، بدءًا من التخطيط ووصولًا إلى المتابعة والتقييم، فعلى سبيل المثال، تستخدم منصات مثل "Oracle Primavera Cloud" و"Microsoft Project" خوارزميات ذكية لتحسين الجدولة والتنبؤ بالتكاليف.

كما تُسهم أدوات مثل "RiskyProject" في تحليل المخاطر المحتملة بدقة، وتُستخدم حلول مثل "Monday.com" و"Wrike" لتوزيع الموارد بكفاءة، بما يحقق أعلى درجات الاستفادة من الإمكانيات المتاحة.

مزايا لا تُخطئها العين

التحول إلى الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الحداثة، بل يُترجم إلى نتائج ملموسة. أبرزها:

  • · دقة أعلى في التنبؤات، ما يقلص هامش الخطأ.
  • · رفع كفاءة العمل بفضل الأتمتة والتحليلات التنبؤية.
  • · تقليص التكلفة والوقت عبر اتخاذ قرارات مدروسة بسرعة.
  • · تحسين مستوى الحوكمة عبر تقارير دقيقة تدعم القيادة التنفيذية.

ويؤكد الباحث الأمريكي أندرو نغ أن "الذكاء الاصطناعي هو الكهرباء الجديدة، وسيغيّر كل شيء في حياتنا".

حقائق بالأرقام

وفقًا لتقرير حديث من معهد إدارة المشاريع PMI، يستخدم نحو 21٪ فقط من المديرين حاليًا أدوات AI في مشاريعهم، بينما يتوقع 91٪ منهم أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير بالغ على عملهم في غضون السنوات القليلة المقبلة.

كما أظهرت دراسة نشرت في Frontiers in AI (2024) أن استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة المحافظ أدى إلى تحسن بنسبة 28٪ في الكفاءة التشغيلية، و18٪ في دقة التنبؤ بالمخاطر.

تحديات في الطريق

رغم المكاسب، ثمة تحديات تقف أمام هذا التوسع، أبرزها:

  • · ارتفاع تكاليف التطبيق الأولية.
  • · الاعتماد الزائد على التقنية، مما قد يُضعف المهارات البشرية.
  • · مخاوف الخصوصية، إذ تحتاج الأنظمة الذكية إلى كميات ضخمة من البيانات.

دراسات ترسم المستقبل

دراسة حديثة لمعهد إدارة المشاريع PMI عام 2019 كشفت أن المشاريع التي اعتمدت الذكاء الاصطناعي في مراحلها المبكرة سجلت نسبة نجاح تفوق 30% مقارنة بغيرها، كما توقعت مؤسسة Gartner أن نحو 80% من مديري المشاريع سيستخدمون الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، بينما أكدت دراسة لـ McKinsey أن الذكاء الاصطناعي قد يُحسن كفاءة المشاريع الكبرى بنسبة تصل إلى 40%..

هل نخاف أم نرحب؟

من جهة، يجلب الذكاء الاصطناعي فوائد لا يمكن إنكارها: قرارات أسرع، تكاليف أقل، وأخطاء أقل. ومن جهة أخرى، تبرز مخاوف تتعلق بالأخلاقيات، الخصوصية، واعتماد البشر الزائد على التقنية.

تقول د. ليزا رينولدز، الباحثة في جامعة ستانفورد:

"الذكاء الاصطناعي لن يستبدل مديري المشاريع، لكنه بالتأكيد سيستبدل أولئك الذين لا يستخدمونه."

التكنولوجيا لا تقف… فهل نقف نحن؟

يبدو أن الذكاء الاصطناعي لن ينتظر المؤسسات التي تتردد، ومن لا يواكب، سيتخلف، وبينما تتسابق الشركات في دمج أنظمة ذكية لتسيير عملياتها، تبقى المهارة البشرية والإستراتيجية الواعية هي من تحسم نتائج السباق.

ربما لن يكون مستقبل إدارة المشاريع كما عرفناه، لكن المؤكد أنه سيكون أكثر دقة، وذكاء، وقوة.

 

خاص_الفابيتا