إذا نظرنا إلى سياسات التنمية المتبعة في السنوات الأخيرة، نجد -بلا أدنى شك- أن غالبية الحكومات على مستوى العالم تتجه نحو مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص كونها ركيزة أساسية في تعزيز التطوير في البنية التحتية، والدليل على ذلك الميزانيات المخصصة لمعظم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ حيث تتجاوز عدة ملايين أو مليارات من الدولارات، لا سيما المشاريع التي لهما أهمية على الصعيد الوطني أو الإقليمي. وقد أفاد تقرير أعدته شركة "ريسيرش آند ماركتس" مؤخرًا أن إجمالي عدد مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص قد بلغ 242 مشروعًا في عام 2020 بقيمة تقدَّر تبلغ 223 مليار دولار في 14 دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي وقتٍ سابق، ذكرت منصة " ميدل إيست إيكونوميك دايجست بروجكتس" أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الأعلى التزامًا في تنفيذ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بنسبة بلغت 21% عام 2017 من إجمالي التزامات الشراكة بين القطاعين العام والخاص على الصعيد الإقليمي، والتي بلغ عددها 18 مشروعًا بقيمة 43 مليار دولار. ويتم ضح مثل هذه الميزانيات الضخمة نظرًا للنجاح المؤكد الذي تحققه تلك المشاريع عند تنفيذها، وإلا أُهدرت كل هذه الموارد المالية سدىً. وليس من قبيل الصدفة أن يكون النجاح حليف مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بل إن تحقيق النجاح في هذا المشاريع مرهون بتحقيق جميع معايير قياس نجاح المشاريع الممكنة، ويشمل ذلك، على سبيل المثال، التوقيت المناسب ومحدودية تجاوز التكاليف المخصصة وتقليل الفاقد إلى الحد الأدنى، وتحقيق القيمة مقابل المال. ويُعد نجاحها نتيجة للإدارة السليمة والمدروسة للمحافِظ الاستثمارية، لا سيما في حالات تنفيذ العديد من المشاريع والبرامج على مستويات متعددة (بما في ذلك المجتمع المحلي، أو المحافِظة، أو الدولة، أو المنطقة) في آنٍ واحد.
تتضمن إدارة المحافِظ عادةً برامج، ومشاريع ، وعمليات تُدار مجتمعة مع بعضها في سبيل تحقيق أهداف استراتيجية محددة. ولا يشترط أن تكون أهداف عناصر المحافِظ معتمدة على بعضها البعض، لكن يجب أن تكون قابلية للقياس بما يتيح تقييمها أو تصنيفها أو ترتيبها حسب الأولوية. ونظرًا إلى أن تنفيذ جميع عناصر المحافِظ في وقت محدد، فقد تضم المحافِظ مشاريع تم تنفيذها في الماضي، أو مشاريع جارية في الوقت الحاضر، أو برامج مخطط لتنفيذها في المستقبل. وقد يزداد تعقيد هذه العناصر في حال وجود محافِظ فرعية، وذلك حسب الهيكل الذي تضعه المؤسسة المعنية. علاوةً على ذلك، قد تكون جميع هذه الاعتبارات أكثر تعقدًا في منظومة الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لأنها تضم بطبيعتها شركاء من جهات حكومية وخاصة؛ لكل منها أهدافها الاستراتيجية المختلفة التي تنشدها.
وبطبيعة الحال، تنطوي مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص على مشاركة العديد من الجهات المعنية من كلا القطاعين. ونظرًا لتباين الأهداف الاستراتيجية المنشودة لكل جهة في وقت إبرام الشراكة، بالإضافة إلى توافق بعض مصالحها وتعارض البعض الآخر، فإن الاتفاق على ترتيب الأولويات والتصنيف وإجراءات الحوكمة أو الإدارة سيكون أكثر تعقيدًا حسب سياق المشروع. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي يمثل الهدف الاستراتيجي للشريك (موضع اهتمام القطاع العام) تحسين مستوى الرفاه العام في مرحلة بدء المشروع، قد ينصّب اهتمام الجهة المعنية من القطاع الخاص على ضمان عدم تأثير تنفيذ المشروع على استمرارية أعمالها، بالإضافة إلى الحد من الإخلال بقيمها التنظيمية الموجودة أو عدم الإخلال بها على الإطلاق. وفيما يتعلق بالإطار الزمني ، تمتد عقود الشراكة عادةً لعشرات السنوات، ولو نظرنا إلى التغييرات التي يمكن أن تطرأ على البيئة التشغيلية؛ فستكون استجابة الأعمال مرهونة بمراجعات متكررة على مستوى دورة حياة المشروع أو البرنامج. وبالتالي، يمكن إجراء هذه التغييرات على كل عنصر من عناصر المحفظة حسب الطريقة التي يتأثر بها كل عنصر نتيجة التغييرات التي تطرأ عليه. توضح هذه الأمثلة التحديات الصعبة التي يجب العمل على تجازوها عن طريق توخي الحذر في تنفيذ إدارة المحافِظ التي تمثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص فيها جزءًا من محفظة الاستثمارات. لذلك، تركّز الجهات المتخصصة على ضرورة إدراج الإدارة الاستراتيجية بوصفها مجالًا للمعرفة في عملية إدارة المحافِظ.
تمكِّن إدارة المحافِظ مديري المحافِظ من نمذجة دورة الاستراتيجية بأكملها وكذلك الإجراءات الفردية التي تصفها. ويرى الممارسون الناجحون أن تنفيذ عملية التخطيط الاستراتيجي للمحافِظ يمثل مشروعًا في حد ذاته، وينطبق ذلك أيضًا على المحفظة التي تضم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المستوى الأساسي لها، أو المحفظة التي تتكون كليًا من مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ويتم تأسيس، لجنة أو لجنة توجيهية للمشاريع، مع تحديد لمسؤوليات اللجنة. وعادةً ما تتألف إجراءات المحافِظ الاستراتيجية من إعداد الخطة الاستراتيجية للمحافِظ، وميثاقها، وخارطة طريق تنفيذها.
ونظرًا لأن المحفظة تمثل العناصر المكوّنة لها (على سبيل المثال، المشاريع والبرامج أو العمليات التشغيلية المكوّنة للمحفظة) في أي مرحلة، فهي تُعد وسيلة لتحقيق النتائج الاستراتيجية التي تضعها المؤسسة، ويسري الأمر نفسه على مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ومع ذلك، هناك تباين في الآثار المترتبة فيما يتعلق بمشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ حيث تكون المحفظة الخاصة بمؤسسة واحدة أقل تعقيدًا نظرًا لمواءمتها مع جهة راعية واحدة أحيانًا، بينما تضم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص جميع الجهات المعنية، والتي عادةً ما تكون مؤسسات لكل منها أهدافها الاستراتيجية المختلفة. ومن ثَم، تهدف عملية إدارة المحافِظ إلى ضمان تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة في مختلف العلاقات والمشاريع القائمة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص والمصالح المتعارضة لمختلف الجهات المعنية.
سنلاحظ تعدد تنفيذ المشاريع من خلال نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المستقبل القريب وذلك لأنها تقود التنمية في الاقتصاد الجديد. وكما سيعتمد انجاز هذه المشاريع بشكل ناجح على الإدارة الفعالة لمحفظة المشاريع ، والتي يتم تمكينها من خلال الاستجابات الزمنية والاستباقية للتغيرات في بيئة التشغيل مع مراعاة مخاوف جميع أصحاب المصلحة في الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وبالتالي فإن الإدارة الاستراتيجية لمثل هذه المحافظ هي نقطة بداية جيدة للنظر في هذه الإدارة والعمل المتجاوب المستمر.
المراجع
شركة ريسيرش آند ماركتس (2021)، الشراكة بين القطاعين العام والخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2021 وما بعده – منصة "ميدل إيست إيكونوميك دايجست بروجكتس".
خاص_الفابيتا