مصطلح "استقلال الطاقة" مجرد خرافة، واستخدامه خداع، وينطبق الأمر نفسه على مصطلح “الطاقة النظيفة". يُخلط باستمرار بين استقلال الطاقة وزيادة أمن الطاقة. إذا استوردت دولةٌ ما أي طاقة، فإنها لا تتصف باستقلالية الطاقة، ولا تتمتع الدولة باستقلالية الطاقة إذا تقنيات أو قطع غيار أنظمة الطاقة مستوردة. وإذا استوردت خبراء طاقة، فإنها كذلك لا تتصف باستقلالية الطاقة. وإذا كان أي تمويل لنظام طاقة يأتي من خارج الدولة، فإنها لا تتصف باستقلالية الطاقة.
لا تُعد أي دولة مستقلة في الطاقة إذا لم تُنشئ ناقلاتها وناقلات الغاز الطبيعي المُسال بنفسها. لنفترض أن دولةً ما لم تُطوّر شبكة الكهرباء الخاصة بها بكل تعقيداتها وأجزائها، بما في ذلك جوانب إنترنت الأشياء، بالاعتماد فقط على محتوى محلي. في هذه الحالة، لا تُعد هذه الدولة مستقلة في الطاقة. إذا كانت البنية التحتية للطاقة لأي دولة تتضمن عنصرًا أجنبيًا، مثل مصفاة كبيرة أو محولات كهرباء أو رقاقة إلكترونية، فإنها لا تُعد مستقلة في الطاقة.
تعتمد البلدان على بعضها البعض في الطاقة، وهذا جزء من واقع التجارة والتنمية والتغير التكنولوجي والخيارات المتاحة. هل نطالب بالاستقلالية في الغذاء والأسمدة والنقل والمواد الكيميائية وتكنولوجيا المعلومات، وحتى في صناعة الألعاب، في ظل أنظمة التجارة والتكنولوجيا والتنمية العالمية الضخمة والمعقدة؟ كما يمكن لفوائد التجارة والتعاون في التكنولوجيا وغيرها من التطورات أن تُثبط. وبذلك سترتفع التكاليف نظراً لتجاهلنا فوائد التجارة الهائلة تاريخياً. الدولة الوحيدة التي اقتربت من تحقيق الاكتفاء الذاتي الحقيقي في العقود الأخيرة كانت دولة ألبانيا المنغلقة الستالينية بقيادة أنور خوجة. وقد وقعت هذه الدولة في فخ الفقر والتي تخلصت منه أخيراً بفضل التجارة والتدفقات المالية والتكنولوجية والتدفقات التعليمية/المعلوماتية.
ويمكنني الاستمرار في الحديث - وغالباً ما أفعل ذلك في الفصول الدراسية- من خلال تقديم المشورة والمحاضرات العامة، لكن هذا عادةً ما يكون مجهودًا شاقاً. وفي بعض الأحيان، الأمر يشبه تسلق جبل إيفرست دون أكسجين. الكلمات لها معنى ويجب استخدام هذه الكلمات بمعناها الحقيقي، لا للتضليل. لقد تم خداع الكثير من الناس، وما زالوا يخدعون، سواءً عن قصد أو عن غير قصد، في جميع أنحاء العالم. وكثيراً ما يُخلط بين "الطاقة النظيفة" و"الطاقة الأنظف".
لا توجد طاقة نظيفة بل بعض أنظمة الطاقة أنظف من غيرها. والذين يدّعون أن أي نظام طاقة هو طاقة نظيفة فإنهم منخرطون في الخداع. فغالباً ما يُقال أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية وأنظمة الطاقة المتجددة الأخرى نظيفة، لكن هذا ليس صحيح عند النظر لسلاسل توريدها ودورات حياتها. فمن أين تأتي المعادن والفلزات المستخدمة في تصنيعها؟ وكيف تُعالَج هذه المعادن؟ وكيف تُنقل هذه الأنظمة للاستيراد والتصدير؟ وكيف تُبنى؟ وما هي مصادر الطاقة الأخرى المستخدمة في تصنيعها؟
اسأل عمال مناجم الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية وعمال مناجم النيكل في إندونيسيا لترى مدى نظافة هذه الأنشطة. وهذا يُثير الشكوك حول عدم النظافة الأخلاقية لبعض ما يسمى "الطاقة النظيفة"، لا سيما في جمهورية الكونغو الديمقراطية. اسأل عمال مناجم الليثيوم في مختلف أنحاء العالم. إن الطاقة النظيفة أبعد ما تكون عن النظافة، لكن بعض أنواع الطاقة أنظف من بعض. غالباً ما ينظر "مؤيدو" الطاقة النظيفة إلى الملوثات فقط على مستوى تطبيقات التكنولوجيا، مثل دوارات الرياح التي لا تُنتج ثاني أكسيد الكربون. لذا يجب مراعاة كامل سلسلة التوريد بأكملها. تُهيمن الصين على إنتاج أنظمة "الطاقة النظيفة" ولكن باستخدام الفحم بشكل رئيسي في تصنيعها.
لنلقِ الآن نظرة على المركبات الكهربائية، والتي تُسمى غالبًا "نظيفة". فكيف تُصنع هذه المركبات، وبماذا؟ وكيف تصل من مكان تصنيعها إلى العملاء؟ وما حجم التعدين غير النظيف الذي استُخدم في صناعة هذه المركبات "النظيفة"، وخاصةً بطارياتها؟ ماذا يحدث
عند انتهاء عمرها الافتراضي؟ إن السيارات الكهربائية من الصين تُصنع بشكل رئيسي باستخدام الفحم، وتستخدم الكهرباء المُولّدة منه أيضا. هل هذا نظيف؟
أي منتج أو عملية يجب تحليلها على كامل سلسلة توريدها ودورات حياتها. ويجب مقارنتها بمنتجات وعمليات أخرى على مدار سلاسل توريدها ودورات حياتها. وإلا، فإن أي ادعاءات حول "نظيف" أو "أنظف" هي ادعاءات مضللة. لقد ترسخت مفاهيم "الطاقة النظيفة" ظاهرغير التضليلهذه المفاهيم مقبولة بشكل كبير ولكنها مفهومة بشكل خاطئ لدرجة أن و ،و"استقلال الطاقة" في أذهان الكثيرينولكن دعونا نخفي الأجزاء المغبرة لو دخلتَ منزلًا ورأيتَ جزءًا منه مُغبرًا ومتسخًا، هل ستُوافق على أنه منزل نظيف للكثيرين. والمتسخة ونتحدث فقط عن غرفة الطعام والمطبخ النظيفين للضيوف؟ هل هذا صادق؟
كتب السير والتر سكوت مقولته الشهيرة: "يا لها من شبكة متشابكة ننسجها، عندما نمارس الخداع لأول مرة!". بالتأكيد، إن استخدام عبارات مضللة في سياسات الطاقة سيدفعنا أكثر فأكثر إلى منحدر زلق من الخداع والسياسات المدمرة. إن الحقيقة مهمة.