يشهد العالم تعقيدات جيوسياسية ومشكلات اقتصادية وأزمات النفط ومشتقاته وخفض الانبعاثات الكربونية، ففي خضمّ هذه المشكلات، عُقدت في السعودية فعاليات مؤتمر اقتصاديات الطاقة، ليناقش مخاطر اضطرابات قطاع النفط وأسواق الغاز عالمياً، إلى جانب تحديات تهدد النهوض بفرص اقتصاد الهيدروجين، حيث عُقد المؤتمر الـ44 للجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة تحت عنوان «الطريق نحو مستقبل الطاقة النظيفة والمستقرّة والمستدامة»، إذ بحث المؤتمر في حلقة نقاشية بعنوان «الهيدروجين يغذّي المستقبل» الفرص والتحديات، خلال الفترة من 4 إلى 8 فبراير (شباط) الماضي، وموضع الهيدروجين من حيث القدرة على تحمل التكاليف وأمن الطاقة والتنوع، إذ من المتوقع أن يصبح الهيدروجين المنتج العالمي لتعزيز المسارات المتعددة لإنتاج طاقة نظيفة.
استعرضت الجلسات تحديات شراء الخام، بما في ذلك المعادن الثمينة اللازمة للنهوض في ظل تعظيم سلسلة قيمة الهيدروجين، مع الإقرار بمخاطر وفرص اقتصاد الهيدروجين لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإمكاناتها، إذ من الضروري التعاون لتطوير اقتصاد الهيدروجين في ظل الدعوات لتطوير وتجارة الهيدروجين وتنظيم إجراءات وقوانين لتعزيز اللوائح التنظيمية في الدول المستوردة المستقبلية من الهيدروجين، إذ أصبح من الضروري للغاية تسريع وتيرة تحول قطاع الطاقة، لتحقيق الطموحات المُرتبطة بالحياد المناخي.
يعكس السباق العالمي للوصول إلى الهيدروجين النظيف الحقائق الجغرافية - السياسية الجديدة وعلاقات الاعتماد المتبادل، حيث كانت تسعينات القرن الماضي هي عقد الرياح، تلاه عقد الطاقة الشمسية، والعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين هو عقد البطاريات، أما الآن فنمرّ بمرحلة تحول الطاقة، وهي مرحلة الهيدروجين، حيث في السنوات الخمس الماضية وحدها، وضعت أكثر من 30 دولة استراتيجيات وطنية للهيدروجين، أو بدأت في إعدادها. وكانت أهداف اتفاق باريس المتعلقة بالمناخ محركاً رئيسياً في هذا الصدد.
من جانب آخر، ركز المؤتمر الذي عُقد في السعودية يومَي 11 و12 يناير (كانون الثاني) الماضي، النسخة الثانية من مؤتمر التعدين الدولي، على قوة الهيدروجين والمعادن الخضراء، وأهمية استخدام الطاقة النظيفة في الصناعة، وعلى ضرورة تضافر الجهود للاكتشاف والاستكشاف، وتخطيط رأس المال البشري، إلى جانب الاعتناء بالبحوث وعملية التطوير، وتعزيز التكامل عبر الصناعات للوصول إلى الانبعاثات الصفرية بحلول 2060، وتفعيل دور القطاع الخاص في هذا الحراك؛ كونه العامل الأساسي في عملية التعدين.
ورغم أن الهيدروجين هو أصغر جزيء في الكون، فإنه يتمتع بإمكانات هائلة بوصفه وقوداً نظيفاً يمكن استخدامه في إحداث تحول الطاقة العالمي، فهو غاز قابل للحرق داخل المحركات، كما يمكن استخدامه في خلية وقود لتشغيل المركبات، أو إنتاج الكهرباء، أو توليد الحرارة، ويمكن أن يكون مادة خام أولية ووحدة أساسية في المنتجات الكيميائية الأخرى، مثل الأمونيا والميثانول، كذلك فإن الهيدروجين ومشتقاته يمكن تخزينهما إلى ما لا نهاية في صهاريج وقباب ملحية، وهو ما يعني أنهما ربما يكونان من الحلول المهمة لتخزين الطاقة على المدى الطويل.
إن مسار نمو الهيدروجين النظيف يظل مثار جدل، فقد ظهر على السطح خلافان أساسيان: كيف يتم إنتاج الهيدروجين؟ وفي أي القطاعات يمكن استخدامه؟ فيما يتعلق بالإنتاج، يتمثل المساران الرئيسيان نحو الهيدروجين النظيف في الهيدروجين «الأخضر» المنتَج من الكهرباء المولَّدة من مصادر متجددة، والهيدروجين «الأزرق» المنتَج من الغاز الطبيعي المجهَّز بتكنولوجيات احتجاز الكربون. وفي فترة ما، كان سعر الهيدروجين الأخضر ضعفَي أو ثلاثة أضعاف سعر الهيدروجين الأزرق، وكان ذلك قبل أزمة أسعار الغاز الحالية، علاوة على ذلك يحقق الهيدروجين الأخضر الخفض الأكبر في التكلفة.
من الجدير بالإشارة أن هناك عقبات كثيرة يتعين التغلب عليها لتوسيع نطاق الهيدروجين النظيف، وهذه العقبات تتطلب حوكمة عالمية، إذ يتعين تحقيق خفض إضافي في التكاليف وزيادة الإنتاج، ويمكن للحكومات الحد من مخاطر الاستثمار في إمدادات الهيدروجين النظيف من خلال خلق طلب مستمر في القطاعات التي يصعب تخفيف انبعاثاتها، كما أن هناك حاجة إلى وضع معايير، وشهادات، وإجراءات متابعة منسّقة من أجل ضمان السلامة وقابلية التشغيل البيني والاستدامة في جميع أجزاء سلسلة قيمة الهيدروجين النظيف، كما ينبغي أن تحصل الاقتصادات النامية على مساعدات مالية وفنية حتى يتسنى لها الاستفادة من طفرة الهيدروجين الأخضر.
وخلاصة القول: على الرغم مما تتمتع به الصناعة النفطية في الدول العربية من مميزات؛ فهي تمتلك احتياطيات كبيرة بتكاليف إنتاج منخفضة نسبياً، فإنه يتوجب على الدول العربية أن تتابع عن كثب ما يستجد من تطورات في أسواق الطاقة العالمية، وبخاصة في مجال صناعة النفط من المصادر غير التقليدية، وكذلك تطوير الاستفادة من الطاقة المتجددة مثل الشمس والمياه والرياح والهيدروجين وغيرها، والتي تتوفر بمعدلات اقتصادية في المنطقة العربية، والتي يمكن أن تكون أحد أهم مصادر الدخل القومي في العقد الجديد.
نقلا عن الشرق الأوسط