ما وراء الأرقام: كيف تعيد الأصول غير الملموسة تشكيل تقييم الأسهم

18/05/2025 0
محمد الشعيبي

مقدمة

شهدت الاقتصادات على مر العصور تحولات كبيرة في أنشطتها الأساسية، بدءًا من الزراعة التي شكلت حجر الأساس لاستقرار المجتمعات، مرورًا بالتصنيع الذي أحدث ثورة في الإنتاج والتنمية، وصولاً إلى اقتصاد اليوم القائم على المعرفة والخدمات. ومع هذا التطور، تغيرت طبيعة الأصول التي تشكل قيمة الشركات، فلم تعد الأصول الملموسة وحدها كافية لقياس نجاح المؤسسة، بل أصبحت الأصول غير الملموسة كالعلامات التجارية والبرمجيات والابتكار تلعب دورًا محوريًا في الاقتصاد الحديث. وفي هذا المقال، نستعرض مسار تطور الاقتصاد وأهمية تقييم الأصول غير الملموسة، مع تسليط الضوء على تطبيقاتها العملية في السوق السعودي.

مراحل تطور الاقتصاد

تمر الاقتصادات بمراحل متتابعة في تطورها، تبدأ بالزراعة، حيث يعتمد الناس على استغلال الموارد الطبيعية كالتراب والمياه لإنتاج الغذاء. وتعتبر الزراعة أساس البقاء لأي مجتمع بشري، إذ توفر الغذاء الضروري، وتمكن الناس من الاستقرار في مكان واحد، مما يسهل بناء المجتمعات وتنظيمها.

مع تطور الزراعة، بدأ الإنتاج يتجاوز الاحتياجات المباشرة، ما وفر فائضًا يمكن تبادله، وفتح المجال أمام التجارة وتخصص بعض الأفراد في مهن أخرى مثل الصناعة. تأتي بعدها مرحلة الصناعة التي تعتمد على تحويل المواد الخام إلى منتجات جاهزة باستخدام الآلات والتكنولوجيا، وتمثل خطوة مهمة نحو زيادة الإنتاج وتوفير فرص العمل، وتعتبر أساسًا للتنمية الاقتصادية في المراحل المتوسطة.

لاحقًا، مع التقدم التكنولوجي وزيادة الأتمتة، يبدأ عدد العاملين في الزراعة بالانخفاض، بينما يرتفع عدد الموظفين في قطاع التصنيع. ومع استمرار التطور، تتراجع الحاجة إلى العمالة في الصناعة، وينتقل النشاط الاقتصادي تدريجيًا نحو قطاع الخدمات والقطاعات المعرفية.

أهمية الأصول غير الملموسة في الاقتصاد المعرفي

في مرحلة الاقتصاد الخدمي، تبرز الأصول غير الملموسة بشكل واضح في الشركات، لا سيما تلك المدرجة في أسواق الأسهم. تؤثر هذه الأصول، مثل العلامات التجارية، براءات الاختراع، والبرمجيات، بشكل كبير على القيمة السوقية للشركات، مما يؤدي إلى فجوة بين القيمة الدفترية والقيمة السوقية. يعكس هذا الواقع إدراك المستثمرين أن الأصول غير الملموسة تضيف قيمة تتجاوز ما يظهر في القوائم المالية التقليدية.

تعريف تقييم الأصول غير الملموسة وطرقها

تقييم الأصول غير الملموسة هو عملية تحديد القيمة المالية لأصول لا يمكن لمسها، مثل العلامات التجارية وبراءات الاختراع والبرمجيات. هناك عدة طرق رئيسية لتقييم هذه الأصول:

· أسلوب التكلفة: يعتمد على حساب تكلفة إنشاء الأصل أو استبداله.

· أسلوب الدخل: يعتمد على تقدير الأرباح أو التدفقات النقدية المستقبلية التي يولدها الأصل، ثم خصمها إلى قيمتها الحالية.

· أسلوب السوق: يعتمد على مقارنة الأصل بأصول مماثلة تم بيعها في السوق.

الاختلافات بين تقييم الأصول غير الملموسة والملموسة

· الطبيعة: الأصول الملموسة مثل المعدات والعقارات يمكن رؤيتها وقياسها بدقة، بينما الأصول غير الملموسة تكون غير مرئية وصعبة التقدير.

· التقادم: الأصول الملموسة تستهلك تدريجيًا وتفقد قيمتها بطرق واضحة، أما الأصول غير الملموسة فقد تتغير قيمتها بشكل مفاجئ حسب تغيرات السوق والتكنولوجيا.

· سهولة التقييم: تقييم الأصول الملموسة يتم وفق معايير وأسعار سوقية مباشرة، بينما تقييم الأصول غير الملموسة يعتمد بشكل كبير على توقعات مستقبلية وتحليلات معقدة.

أمثلة عملية من السوق السعودي

1. أسلوب المضاعفات – شركة الاتصالات السعودية (STC):

تُقيم أصولها غير الملموسة مثل العلامة التجارية والخدمات الرقمية عبر مقارنة مضاعف السعر على الأرباح (P/E) مع شركات اتصالات أخرى.

2. أسلوب السوق – شركة حلول تكنولوجيا المعلومات:

يتم تقييم برمجياتها وحقوق الملكية الفكرية بناءً على صفقات بيع شركات تقنية مماثلة في السوق السعودي أو الإقليمي.

3. أسلوب الدخل – شركة سيسكو البحر الأحمر لأنظمة المعلومات:

يُجرى تقييم برمجياتها بحساب التدفقات النقدية المستقبلية المتوقعة وخصمها إلى القيمة الحالية بمعدل مناسب.

الخاتمة

يمثل فهم مراحل تطور الاقتصاد أساسًا مهمًا لفهم ديناميكيات السوق اليوم، حيث لم تعد الأصول التقليدية وحدها كافية لتفسير القيمة السوقية للشركات. لقد أصبحت الأصول غير الملموسة عنصرًا حاسمًا في تعزيز تنافسية المؤسسات وتحقيق النمو المستدام، خاصة في الأسواق الحديثة مثل السوق السعودي. ومع تنامي أهمية هذه الأصول، تتعاظم الحاجة إلى تطوير أدوات تقييم دقيقة تواكب التحولات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة، مما يتيح للمستثمرين وصناع القرار رؤية أشمل وأدق للقيمة الحقيقية للشركات

 

 

خاص_الفابيتا