سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء كان واثقا مما قاله قبل أعوام بأن الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة، فمنذ إطلاق رؤية 2030 قبل تسعة أعوام والمنطقة تشهد حراكا تنمويا اقتصاديا كبيرا جدا بقيادة سعودية ورؤية ناضجة من قائد يسعى لخير المملكة، فالاثر كبير على هذه المنطقة والأمة العربية والإسلامية من خلال النجاحات الضخمة التي حققها في الرؤية التي نقلت اقتصاد المملكة لنادي تريليونات الدولارات بالناتج الإجمالي في وقت قياسي وبنمو مركب قارب 65 في المائة في مدة قياسية لا تتعدى سبعة أعوام، رغم كل التحديات الجيوسياسية بالمنطقة وتقلبات أسعار النفط والأهم جائحة كورونا التي شهد معها العالم أخطر الأزمات الاقتصادية، فالمملكة لها تأثير كبير بالمنطقة، فاقتصادها يشكل 30 في المائة من ناتج الاقتصاد العربي وهي الشريك التجاري الأول لأغلب دول المنطقة وسوقها هو الأضخم واستثماراتها الخارجية كبيرة وانعكاس التنمية فيها يطول اثره الإيجابي كل الدول العربية والشرق أوسطية من خلال استثماراتها وتمويلها لمشروعات تنموية بتلك الدول وأيضا كونها سوق العمل والتجارة الأكبر بالمنطقة، الذي تتواجد فيه ملايين العمالة من دول المنطقة وكذلك شركاتهم التي تركز على السوق السعودي لضخامته.
وما تقوم به المملكة بتوجيه قائد الأمة الملك سلمان وبقيادة ولي العهد -حفظهما الله- كان مبنيا على تفعيل وتنشيط كافة قطاعات الاقتصاد السعودي وباستخدام التكنولوجيا الحديثة، إضافة لدخول عالم التقنية والذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي من بوابة الاستثمار فيها وإنتاجها محليا وليس الاستهلاك فقط وكل ذلك من خلال الاعتماد على رأس المال البشري السعودي، الذي ركزت التنمية عليه تدريبا وتأهيلا بأعلى المستويات، إضافة للشراكات الدولية العميقة التي عقدت لها المملكة اتفاقيات ضخمة وباستثمارات متبادلة بتريليونات الدولارات مع أكبر اقتصادات العالم واضخم الشركات العالمية والمتتبع للنشاط السنوي الذي تشهده المملكة من خلال المؤتمرات والمنتديات الدولية التي يحضرها آلاف الشركات العالمية يدرك حجم التحول الكبير للاقتصاد السعودي وتأثيره العالمي وليس الإقليمي فقط.
ولعل زيارة الرئيس الأمريكي ترمب للمملكة أظهرت بشكل واضح إلى اين تتجه المنطقة؟ فقد عبر كثيرا عن سعادته بزيارة المملكة كأول محطة خارجية له بعد إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية وقد ناقش مع سمو ولي العهد كافة ملفات المنطقة ودعم استقرارها، فالقائدان يتفقان بوجهة نظر أساسية وهي التركيز على السلام والتنمية وجذب الاستثمارات والملامح الأولية للزيارة الناجحة تؤكد ان السلام قادم للمنطقة في كافة بؤر الصراع والمناطق الساخنة، فالرئيس ترمب معجب بإنجازات المملكة ودول الخليج بالتنمية التي تحققت من خلال استثمار عوائد النفط بكفاءة. وأكد ان علاقة أمريكا ستكون أقوى مع دول المنطقة ومع السعودية تحديدا بشراكة وعمق كبير جدا؛ لأن قوة المملكة هي بكافة المجالات، فهو يقدر الأمير محمد بن سلمان كثيرا ويصفه بالرجل العظيم، لأنه صانع تاريخ حقيقي ولذلك لم يتردد لحظة واحدة برفع العقوبات عن سوريا بطلب من ولي العهد الذي يسعى لأن تكون المنطقة واحة للسلام والتنمية وحل كافة القضايا والملفات الساخنة فيها وأهمها قضية فلسطين ووقف حرب إسرائيل الوحشية على غزة.
لكن في الجانب الأهم للزيارة على صعيد علاقة الدولتين الذي تم التركيز فيه على تعزيز الشراكة الأمريكية مع السعودية فقد وقعت اتفاقيات وعقود بين الشركات السعودية والأمريكية باكثر 300 مليار دولار إضافة للتوسع بالتبادل التجاري، الذي سيصل بمجموع مبالغ المرحلة الأولى إلى 600 مليار دولار مع وعود بأن تصل لتريليون دولار كلما سنحت فرص استثمارية بالمستقبل، فالاقتصاد الأمريكي الأكبر عالميا يستعد لدخول مرحلة جديدة من النمو القائم على زيادة التصنيع الداخلي والاستثمار الضخم بالذكاء الاصطناعي والمملكة تدرك أهمية المرحلة القادمة، لذلك عقدت هذه الاتفاقيات والشراكات مبكرا لأن اثرها الإيجابي سيكون كبيرا على الاقتصاد السعودي، فالشراكات التي أعلنت بين شركة هيوماين السعودية وانفيديا صانعة الرقائق الإلكترونية الأهم عالميا التي تتخطى قيمتها السوقية ثلاثة تريليونات دولار وكذلك آي إم دي تدل على أن المملكة تتجه بقوة لعالم الذكاء الاصطناعي.
لأن هذه الشراكة ستنفذ في المملكة وستسهم بايجاد 22 ألف فرصة عمل وتوطن تقنية مهمة جدا وتؤسس لمصدر دخل قوي للمملكة في مجالات التقنية وتصديرها وأثرها داخليا، فهذا القطاع حجمه عالميا يصل إلى قرابة 400 مليار دولار وبتوقع أن يصل لنحو 4,8 تريليون دولار في بحر عشرة أعوام قادمة، إضافة للاستثمارات والشراكات في مجال التعدين أحد أهم ركائز الاقتصاد السعودي الجديدة وكذلك في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة وكذلك العقود الضخمة التي وقعتها أرامكو مع عدة شركات أمريكية بقيمة تصل إلى 90 مليار دولار وكذلك الترخيص لستارلينك رائدة الإنترنت الفضائي وللسيارات ذاتية القيادة التي أعلن عنها إيلون ماسك في منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي المصاحب لزيارة الرئيس ترمب الذي رافقه قادة أكبر شركات أمريكا والعالم في زيارته للمملكة مما يدلل على قوة الاقتصاد السعودي والمكانة الكبيرة له عالميا في خارطة الاستثمارات والجاذبية الواسعة لقطاعاته.
المنطقة برؤية المملكة التي يقودها ولي العهد تتجه للاستقرار والسلام والتنمية وأمريكا ستكون شريكا رئيسا في صنع ذلك وهي تعي قدرات السعودية ودورها الريادي في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عموما وتأثيرها الدولي الكبير، فهي دولة موثوقة ودورها العالمي في صنع السلام ودعم النمو الاقتصادي العالمي واستقرار إمدادات النفط جعل منها قوة عالمية حاضرة بأهم الملفات، لأنها قرأت المستقبل ووضعت قطار تنميتها على المسار الصحيح وتحصد نتائج ذلك عاما بعد عام ورؤيتها التنموية أصبحت ملهمة لدول عديدة في عالم يتغير من رحم التناقضات ليكتمل معه ولادة نظام عالمي جديد هويته الاقتصاد والتنمية.
نقلا عن الجزيرة