ابحث عن مدير مخاطر محترف قبل فوات الأوان

20/04/2025 1
د. محمد آل عباس

كنت وما زلت أقول بضرورة التحول من إستراتيجيات التميز والجودة إلى إستراتيجيات إدارة المخاطر، ومع ذلك فقليل من العمل يتم على هذا المسار، أكاد أراهن على أنه لا أحد اليوم قادر على التنبؤ الجيد لأكثر من عدة أشهر، هي أقل من عدد أصابع اليد الواحدة. فمثلا في آخر تقرير لصندوق النقد الدولي الذي صدر في يناير 2025 حذر الصندوق من عدة مخاطر اقتصادية قادمة، من بينها النمو العالمي الأقل من متوسطه وتوقعاته للسنوات الـ5 المقبلة عند نحو 3%، في المقابل، تميل مخاطر التباينات بين البلدان نحو الارتفاع وتسود مخاطر انخفاض النمو مع تزايد حالة عدم اليقين السياسي، ويلمح الصندوق في تقريره إلى احتمالية تكثيف السياسات الحمائية، وموجات جديدة من الرسوم الجمركية، بما يؤدي إلى تفاقم التوترات التجارية، وانخفاض الاستثمار، وتقليل كفاءة السوق، وتشويه تدفقات التجارة، وتعطيل سلاسل التوريد مرة أخرى، كل ذلك في نظر الصندوق سيفرض تعديلات ستخلق مشكلات أيضا، فالأمر يتطلب سياسة مالية تسبب اضطرابًا في الأسواق والاقتصاد، من خلال إضعاف دور سندات الخزانة الأمريكية كأصل عالمي آمن.

وقد يؤدي ارتفاع الاقتراض إلى زيادة الطلب على رأس المال عالميًا، ما يؤدي إلى عودة ارتفاع أسعار الفائدة، وربما تثبيط النشاط الاقتصادي في أماكن أخرى، وكل ذلك يقود إلى الإفراط في اللوائح التنظيمية المصممة لوضع قيود على المخاطرة، وتراكم الديون قد يولد ديناميكيات ازدهار وكساد للولايات المتحدة على المدى الطويل، مع تداعيات على بقية العالم، من المخاطر أيضا التي ذكرها التقرير إن سادت الآثار السلبية للرسوم الجمركية وانخفضت القوى العاملة، فقد يتأثر النشاط العالمي سلبًا على المدى المتوسط. وترتفع حالات عدم اليقين، وستتكشف آثار كل عامل بشكل مختلف عبر البلدان، بقدر تأثرها بالروابط التجارية والمالية، وقد تتجلى استجابات السياسات والإجراءات التي تتخذها الدول الأخرى بطرق متنوعة، بما في ذلك تصعيد الرسوم الجمركية الانتقامية.

هذه المخاطر التي ذكرها الصندوق هي ما نعيشه اليوم بشكل واضح وجلي، فالرسوم الجمركية أصبحت واقعا، والرسوم الانتقامية صارت سياسة، وستتبع ذلك إجراءات جديدة ستشكل مسار الاقتصاد لـ4 سنوات على الأقل، لكن ليس هذا هو السؤال، بل كيف للشركات المحلية والهيئات والصناديق أن تتفاعل مع هذه المخاطر، ما أدوات توقع المخاطر، وهل يتم بناء الإستراتيجيات عليها أم سيبقى الجميع في نفق الجودة، ومنهجيات بطاقات الأداء المتوازن التي لا تقدم حلولا جيدة لمواجهة التقلبات العالمية؟

لقد شهدنا كيف انتقمت الصين من الشركات العالمية من خلال كشف أستار مصانعها هناك وتكلفة المنتج الحقيقية، ولقد أخطأت الصين إذ فعلت ذلك، ولا نزال في انتظار ردة فعل الشركات العالمية العقابية، فبالتأكيد هناك كثير من العقود التي كان يجب على الصين احترامها، لكن من يهتم، من يعيد رسم إستراتيجياته وفقا للظروف، وليس وفقا لما يطلبه المشاهد؟ لقد كان تقرير صندوق النقد الدولي واضحا بشأن الرسوم الجمركية، ومع ذلك فوجئ الجميع بها وانهارت الأسواق، نجا أولئك الذين رسموا سياسات المخاطر بشكل صحيح، ففي الوقت الذي كان فيه البعض يشرح الفرص في سوق الأسهم والعقار واتجاهات الأسعار، كان هناك من يشترى الذهب بشراسة وصمت، وفي وقت قريب قد يصبح الذهب نفسه غير قادر على امتصاص المخاوف ولا بد من سلعة أكثر صمودا، أين تبحث؟ اسأل مدير المخاطر المحترف!

لا بد من إعادة التوازن في صناعة القرار الإستراتيجي في الشركات والهيئات والصناديق، من خلال تنمية إدارة المخاطر واستقطاب المحترفين وابتعاث المميزين، وعلى الجامعات بذلك جهود أكبر في تنمية القدرات في هذا الجانب، لا بد من أقسام متخصصة وبرامج دبلومات في إدارة المخاطر والأصول المرتبطة بذلك.

أقولها اليوم بأعلى صوت ممكن، كما قلتها سابقا قبل أزمة كورونا، الشركات التي لن تستثمر في إدارة المخاطر ستكون هي وخططها واستمراريتها وجودتها وبطاقات الأداء المتوازن واستبيانات رضا العميل كسفينة بلا مرساة في مهب الريح، وقد تتحطم عند أول عاصفة قادمة بين صخور المخاطر.

 

 

نقلا عن الاقتصادية