مغزى «يوم التحرير»

07/04/2025 0
د. عبدالله الردادي

هل تفاجأ العالم فعلاً بالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب بما أسماه بـ«يوم التحرير»؟ هذا ما يبدو بناء على انهيارات أسواق الأسهم التي قاربت، إن لم تزد على انهيارات يوم جائحة كورونا. وهذا هو الظاهر بناء على سيطرة هذا الخبر على وكالات الأنباء ومعظم الصحف العالمية، لا سيما أن جميع الدول بحثت عن «نسبتها» من هذه الرسوم التي عرضت بجميع الطرق الممكنة، من الرسوم البيانية، والجداول الإحصائية، والخرائط الجغرافية، وحتى لوحة ترمب التي حملها بيده في المؤتمر الصحافي، فهل يعد هذا التصرف مفاجئاً من الرئيس الأميركي؟ ولماذا يتّبع هذه السياسة؟

في عام 1987، حين كان ترمب في بداية الأربعينات من عمره، أرسل رسالة إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، تذمّر فيها من النظام العالمي الذي كُرّس لمحاربة الولايات المتحدة، واعترض حينها على الفائض التجاري لليابان مع الولايات المتحدة، الذي كان سببه برأيه هو قوّة الدولار مقابل الين، كما احتج على تكلفة المساعدات العسكرية التي تقدمها أميركا لحلفائها، وطالب حينها بإنهاء هذا العجز وخفض الضرائب. هذه مطالبات ترمب قبل 38 سنة، وهذه هي مستهدفاته اليوم، وهي التوجهات ذاتها في رئاسته السابقة، فكيف يتفاجأ العالم بهذه التصرفات من الرئيس الذي صرح بأن الرسوم الجمركية هي كلمته المفضلة؟

من الناحية الاقتصادية، فإن ترمب متأثر بحقبة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حينها كان دخل الحكومة الأميركية يعتمد بشكل أكبر على التعريفات الجمركية لا على ضرائب الدخل، وقد صرح بأن الولايات المتحدة في ذلك الوقت كانت أكثر ثراء من اليوم، وهو على قناعة بأن فرض الرسوم الجمركية هي الحل لخفض العجز التجاري والاستفادة من أموال الرسوم الجمركية في خفض الدين العام الأميركي وخفض الضرائب. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة بكل تأكيد، فالحركة التجارية في الوقت الحالي تختلف كليّاً عن مثيلتها في الحقبة التي فُتن بها الرئيس، فالسلع لا تنتقل من نقطة الإنتاج إلى نقطة البيع مباشرة، وبالنظر إلى سلاسل التوريد المعقدة فإن المنتج قبل اكتماله قد يمر على أكثر من دولة حتى يصل إلى نقطة البيع، بل حتى السيارات الأميركية التي تُصنع في الولايات المتحدة، قد تنتقل قِطعُها بين كندا والمكسيك وأميركا أكثر من مرة قبل اكتمال تصنيعها.

والفجوات في حجّة ترمب أن الرسوم الجمركية هي ما سيصلح الاقتصاد الأميركي كثيرة، وقد تفنن الاقتصاديون في شرحها وتفنيدها، ومن ضمن هذه الفجوات أن حجّة الأمن القومي ضد الصين لا علاقة لها بهذه الرسوم، فاليابان والاتحاد الأوروبي أخذوا نصيبهم من هذه الرسوم، بل هم من أعلى الدول في الرسوم نسبة إلى الصادرات إلى الولايات المتحدة، كما أن حجة دعم الصناعات الأميركية تدحض بأن معظم الصناعات الأميركية تعتمد على قطع واردة من خارج الولايات المتحدة ولا يمكن الصمود دونها.

وترمب اعتمد واختار من الاقتصاديين ستيفن ميران، وعيّنه الشهر الماضي رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين، وهو الذي نشر ورقة بحثية شهيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وطرح فيها أفكاراً عن كيفية تطبيق الرسوم الجمركية وكيفية تصميمها لتجنّب إضعاف الدولار وتقويض القدرة التنافسية لأميركا، بل وإكراه الحلفاء للتعاون بشأن سياسة العملة، ولكن الرئيس لم يتّبع جميع ما جاءت به الورقة البحثية، فقد اقترحت الورقة أن تطبق هذه الرسوم بشكل تدريجي كالزيادات الشهرية مثلاً؛ وذلك لتجنب الصدمات الاقتصادية وانهيارات الأسواق، وهو ما لم يحدث، كما اقترحت ربط الرسوم بمطالب محددة من الدول المستهدفة، وهو ما لم يحدث كذلك، ويقود هذا إلى السؤال الأهم، وهو ما هو مغزى الرئيس من هذه الرسوم؟

التفاوض، وهي لعبة ترمب المفضلة، الذي جاء من قطاع العقار الذي يقوم عليه، فحتى الغموض الذي تتسم به هذه الرسوم كان بمقترح من ميران الذي بيّن أن «الغموض الاستراتيجي» مهم لكسب نفوذ تفاوضي، وإدارة ترمب ترى أن هذه الرسوم تكسبها ورقة ضغط تفاوضية لا على المستوى التجاري فحسب، بل على مستويات عدة، وتعزز من النفوذ الجيوسياسي الأميركي، ومع كل الجوانب السلبية التي يتعرض لها العالم اليوم، بما في ذلك الولايات المتحدة، من هذه الرسوم الجمركية، إلا أن ترمب يراهن بهذه المفاوضات على أن بلده هي «الأقدر» على تحمل العواقب السلبية لهذه الرسوم لأطول مدة ممكنة، وأن البقية سيرمون بأوراقهم في نهاية المطاف لمطالبه.

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط