عمارة المسجد الحرام

28/03/2025 1
فضل بن سعد البوعينين

في رده على سؤال الزميل عبدالله المديفر، في برنامج الليوان، حول صحة مقولة إن «القانون غير المكتوب أحيانا يكون أهم من القانون المكتوب»، أجاب معالي محمد آل الشيخ، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، بأن القانون المكتوب هو الأهم، بسبب استدامته، ووضوحه، وإمكانية إطلاع الجميع عليه، وقراءته وفهمه، بخلاف القانون غير المكتوب الذي قد يتغير لتغير الأشخاص أو المعطيات، أو الثقافة. وهو رأي دقيق، صدر عن قانوني متخصص. فالاستدامة، والوضوح، والشمولية، ومرجعية القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية، وموثوقيتها حين التحاكم من أهم ما يميز القوانين المكتوبة، ومنها دساتير الدول، وما ينبثق عنها من قوانين منظمة لحياة البشر وتعاملاتهم وأنظمة محددة للحقوق والواجبات والجزاءات وغيرها من شؤون الحياة.

وبالرغم من أهمية السؤال للمسار التشريعي، برزت أهمية أخرى موازية حين استشهد الوزير آل الشيخ بأهمية النظام الأساسي للحكم، وإشارته إلى أن «حماية وإعمار وخدمة الحرمين الشريفين منصوص عليها بشكل صريح وواضح في النظام الأساسي للحكم». استدلال عابر، كشف عن جانب تشريعي مهم، ربما لم يطلع عليه كثير من المواطنين والمهتمين بالشأن القانوني، ويعكس أهمية الحرمين الشريفين لقيادة المملكة، وتضمين النظام الأساسي للحكم، مواد تنص على حمايتهما وإعمارهما وخدمة ضيوف الرحمن. حيث جاء في المادة الرابعة والعشرين، من النظام الأساسي للحكم، ما نصه: «تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما، بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة».

ونصت المادة الثالثة والثلاثين، على أن «تنشئ الدولة القوات المسلحة، وتجهزها من أجل الدفاع عن العقيدة، والحرمين الشريفين، والمجتمع، والوطن». وجاءت العقيدة والحرمان الشريفان في مقدم المادة، لأهميتهما القصوى. نصوص واضحة وصريحة ومعلنة، تؤكد أهمية الحرمين الشريفين، للقيادة السعودية، وأولويتهما من حيث الحماية، والرعاية، والإعمار.

حرص قيادة المملكة على تضمين النظام الأساسي للحكم، مادتين مرتبطتين بالحرمين الشريفين، عكس أهمية حمايتهما وعمارتهما وخدمة ضيوف الرحمن، تقربا إلى الله سبحانه وتعالى وأداءً للأمانة، وتحملاً لمسؤولية خدمة الحرمين الشريفين التي تسمى بها ملك المملكة العربية السعودية، وتشرف بحمل لقبها، دون ألقاب التعظيم الأخرى التي ارتبطت بأسماء ملوك وزعماء الدول.

ترجمت حكومة المملكة المادة الرابعة والعشرين إلى واقع، حيث استأثرت مشاريع الحرم المكي والمشاعر المقدسة بالأهمية والأولية مقارنة بمشاريع التنمية الأخرى، وتميزت عنها بالاستدامة بالرغم من متغيرات الدخل الحكومي التي قد تتسبب في خفض الإنفاق.

ومع إطلاق رؤية 2030 حظيت مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بأهم برامجها التنفيذية، وهو «برنامج خدمة ضيوف الرحمن» الذي يهدف لتحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية، تتمثل في تيسير استضافة المزيد من المعتمرين، وتسهيل الوصول إلى الحرمين الشريفين، وتقديم خدمات ذات جودة للحاج والمعتمر، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية. شكَّل إنشاء الهيئة الملكية لمدينة مكة والمشاعر المقدسة برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المرحلة الأولى في سبيل تحقيق أهداف البرنامج المعلنة؛ فالبرامج الاستثنائية تحتاج إلى مرجعية قوية، تمتلك الرؤية، والمعرفة، والكفاءة، والطموح.. وتضع الاستراتيجيات المستقبلية، إضافة إلى امتلاكها الصلاحيات الشاملة على المنطقة المستهدفة بالتطوير، بما يضمن ديناميكية العمل، وسرعة الإنجاز.

ومنذ عهد الملك عبدالعزيز، رحمه الله، حتى يومنا الحالي، حظي الحرمان الشريفان والمشاعر المقدسة، بمشروعات توسعة وتطوير كبرى، وآخرها التوسعة الثالثة التي بدأت في عام 1432 هـ، واستكمل أعمالها ودشنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عام 1436هـ ، ولا تزال أعمالها مستمرة حتى يومنا الحالي. ومن فضل الله وتوفيقه، تم افتتاح الجزء الأهم من توسعة المسجد الحرام، الذي ساهم في زيادة طاقته الاستيعابية. حولت التوسعة الأخيرة، المسجد الحرام إلى تحفة معمارية فريدة، وزادت من جماله، وجودة مرافقه، حتى أصبحت صوره، من أجمل الصور وأكثرها تداولا ومشاهدة على المنصات الرقمية، وتفاعلا من مغردين كثر حول العالم. مُتعة بصرية، تعزز من روحانية المكان، وتؤكد اهتمام القيادة السعودية بإعمار المسجد الحرام، واستكمال برامج التوسعة ومشروعاتها، وفق مستهدفات رؤية السعودية 2030، ومن ضمنها المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام التي ستسهم في تطوير وتنمية مكة المكرمة، وستحولها إلى واحدة من أجمل مدن العالم، لتجمع بين القدسية والروحانية وجمال العمارة الإسلامية، والتنمية السعودية الفريدة.

 

 

نقلا عن الجزيرة