سوق الأسهم: بين الرفاهية والشقاء

17/02/2025 0
راضي الحداد

قول الإمام علي رضي الله عنه: "التدبير قبل العمل يؤمنك الندم"، وهذه الحكمة تبقى ماثلة أمامي كلما تأملت في حركة الأسواق المالية، حيث يتردد صدى الضجيج ليطغى على صوت الحكمة، وينسى العقلاء أن الأسواق تعود إلى رشدها ولو بعد حين.

التدبير في سوق الأسهم: مفتاح النجاح

إن جوهر التدبير يكمن في استشراف العواقب، وهو يرتكز على ثلاثة عناصر أساسية: العلم، التعقل، والنظرة البعيدة المدى. هذه العناصر تمثل حجر الأساس لأي مستثمر ناجح، سواء خلال فترات الازدهار أو عند انحسار السوق.في الفترة ما بين عامي 2002 و2005، شهد سوق الأسهم السعودي انتعاشًا هائلًا، حيث ارتفع مؤشر السوق بنسبة تزيد عن 560%من 2512 نقطة إلى 16712 نقطة بنهاية 2005.في تلك المرحلة، بدت فكرة خسارة الأموال أو حتى التخلي عن الاستثمار في الأسهم أمرًا غير منطقي. لكن مع حلول عام 2006، انهارت السوق تدريجيًا، ليصل المؤشر إلى 4503 نقاط بنهاية عام 2008, ما يعني انخفاضًا بنسبة 71% من ذروته. واستلزم الأمر ارتفاع السوق بنسبة 250% فقط لاسترداد رؤوس الأموال، وهو ما لم يتحقق حتى بعد مرور أكثر من عشر سنوات.

 

لماذا يخسر المستثمرون؟

السؤال الجوهري هنا: لماذا يخسر المستثمرون أموالهم، رغم أن متوسط العائد السنوي للسوق السعودي خلال 20 عامًا بلغ 7.0%؟

الإجابة تكمن في تجاهل التقييمات المنطقية وتحمل مخاطر غير محسوبة، الأمر الذي قد يؤدي إلى خسائر فادحة. الطمع في تحقيق ثروات سريعة يدفع البعض إلى الاقتراض والمتاجرة بالأسهم في فترات الصعود، دون الأخذ بعين الاعتبار احتمالات الهبوط.

هذا النمط يتكرر عبر الأسواق المالية المختلفة؛ فقد شهدت أسهم التكنولوجيا ازدهارًا كبيرًا في التسعينيات، إلا أنها فقدت أكثر من 80% من قيمتها بين عامي 2000 و2002. الأمر ذاته حدث في الأسواق اليابانية والأسواق الآسيوية.

 

 

 

والرسم البياني التالي يوضح التقلبات الكبيرة في مؤشر ناسداك:

ومن أوضح الصور الحديثة ماعانته الاسواق الصينية من انخافض كبير بعد موجة الصعود الكبيرة .

 

 

 

صوت الحكمة وسط الضجيج

حين يُترك المجال لضجيج الجماهير ليطغى على صوت الحكمة، فإن حتى أعظم العقول قد تقع في الخطأ. وكما أشار "بنجامين جراهام" في كتابه "المستثمر الذكي"، فإن النجاح في الاستثمار لا يعتمد فقط على معدل الذكاء أو التعليم العالي، بل يتطلب الصبر، الانضباط، والتعلم المستمر، بالإضافة إلى القدرة على التحكم في المشاعر.

الجدول التالي يوضح اداء بعض الاصول خلال 15 سنة ويتضح لنا بأن اداء الاصول تتبادل الادوار عبر الوقت

 

 

 

ورغم أن البيانات والإحصائيات تؤكد تفوق عوائد الأسهم على السندات والأدوات النقدية، إلا أن كثيرين يخسرون أموالهم بسبب الوهم بأن تدفق المعلومات يمنحهم المعرفة الكافية للتداول دون بذل الجهد اللازم للتعلم. وعندما يفشل المستثمر في التحكم في مشاعره، يصبح ضحية لتقلبات السوق بدلًا من الاستفادة منها.

الاستثمار بحكمة: من الشقاء إلى الرفاهية

إن التدبير قبل الاستثمار في سوق الأسهم هو ما يجعلها مصدرًا للرفاهية بدلًا من أن تكون طريقًا إلى الشقاء. فالنجاح في هذا المجال لا يتحقق بالمراهنات العشوائية، بل بالتخطيط المحكم، والتحليل المنطقي، والالتزام باستراتيجيات استثمارية مبنية على أسس قوية.

 أهمية التنويع وإدارة المخاطر

من المبادئ الأساسية في الاستثمار الناجح هو التنويع، حيث يساعد توزيع الاستثمارات عبر قطاعات متعددة على تقليل المخاطر المرتبطة بتذبذب الأسواق كما أن إدارة المخاطر عبر وضع استراتيجيات وقف الخسارة وحماية رأس المال تعد من العوامل الحاسمة لتحقيق الاستدامة المالية.

الدور النفسي في اتخاذ القرارات الاستثمارية

غالبًا ما تكون العواطف هي العدو الأول للمستثمر. فالخوف والجشع قد يدفعان المستثمرين إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية، مثل البيع عند أدنى المستويات أو الشراء عند الذروات. ولذلك، يعد التمتع بعقلية هادئة ومنضبطة أحد العوامل الحاسمة في النجاح بالاستثمار. بذلك، يصبح سوق الأسهم أداة لبناء الثروة المستدامة، بدلًا من أن يكون فخًا يسقط فيه الطامعون بالربح السريع.

 
 
 
خاص_الفابيتا