ترمب يحاول تقليد ماكنيلي

29/01/2025 0
فواز حمد الفواز

قال دائما السياق اهم من الظاهرة، و لكن الظاهرة في هذه الحالة ربما طغت على السياق، لذلك ظاهرة ترمب الجدلية تستحق الاهتمام، فهو رئيس شعبوي لاهم بلد. فما كنا نعرف عن رؤساء امريكا في العقود الماضية، اعتدنا على نوعين من الرؤساء فهناك من يتقاطع بين السياسي و التكنوقراطي ممثلا بلون كلينتون و هناك نوع آخر ممثلا بلون ريقان و الذي يتقاطع الايديلوجي مع السياسي في شخصيته و طرحه. سيطر هاذين النموذجين على امريكا على الاقل لجيلين. هاذين النموذجين لم يقضوا على النزعة الجاكسونية في المركب الجيني لامريكا و ربما نزعة التجديد او الانعزالية التي تحدث عنها الفرنسي توكفل- Tocqueville. على هذه الخلفية التاريخية الحديثة و الطبائع المعروفة حدث تغير جيواقتصادي اجتماعي قاد بطبيعته لتغيرات سياسية. يشكل البيئة الحالية تغير في داخل امريكا و آخر خارجي. يصعب فصلهما لان هناك تداخل و تفاعل عضوي بينهما. افضل من عبر عن الداخلي ربما Ray Dalio ربما واحد من أنجح مدراء صناديق التحوط و بثروة تصل الى اكثر من $20 مليار من ثلاث زوايا، الاولى زاوية الدين(سوف ارجع لها) و الزاويةالخارجية التي تتجلى في المزاحمة الاقتصادية بصعود الاخرون عالميا و خاصة من الدول الاسيوية و اهم اقتصاد فيها - الصين. و أخيرا الزاوية الاجتماعية التي تطورت الى استقطاب اجتماعي سياسي.  

جاء ترمب و برنامجه - امريكا اولا على هذه الخلفية المختلفة جوهريا عن فترة الرئيس ماكنيلي الذي اصبح رئيس في 1897 الى أن اغتيل في 1901. التشبيهات التاريخية دائما مغرية و لكنها غالبا خطأ. خطأ غالبا لان الصورة الجديدة نتيجة تفاعل جديد بين 'النزعات الجينية' و الحالة العالمية الجديدة و الظروف المجتمعية الطارئة. برنامج امريكا اولا يقوم على محاولة الحصول على المال من اي مصدر و كل مصدر و هذا لا يمكن ان يكون محاولة اصيلة لاعادة التموضع داخليا او دوليا او علاجا اقتصاديا فاعل حين تدخل الدولة في خسارة المقومات النسبية في خلق القيمة المضافة او العلمية او اخطار ماليه. فالاعتماد على المهاجرين سلاح ذو حدين، فهو سلاح ناجع حين كانت الارقام محدودة و لكن كلما تكبر الارقام تبدأ المخاطر ترتفع على اكثر من صعيد، الى حد ان هناك من يقول ان الدستور الذي كان مناسب لمستعمرات ريفية متساوية و متجانسة سكانيا لم يعد مناسب لمجتمع مدني مختلط الاعراق و الطبقات.  

اهتم Dalio بالبحث و الكتابة عن التاريخي الاقتصادي و المالي و استبدال العملات الرئيسة للحضارات على مدى القرون الخمسة الماضية و ظهر بتحذير قوي حول مدى إمكانية افلاس امريكا و التي وصل الدين العام فيها الى حوالي $ 35 ترليون بما يعادل GDP (الدخل القومي الاجمالي) وعجز في الميزانية و في ميزان المدفوعات. اعتمدت امريكا على تمويله من الخارج و 'طباعة الدولار' جزئيا مستغلة مركزية الدولار و الذي دون بديل على الاقل كما تدل ارقام الاحتياطات المالية لدى المصارف المركزية و اغلب المستثمرون في العالم. تكلفة و خدمة الدين اصبحت اعلى بند في الميزانية. لم يستطيع ترمب عمل الكثير تجاه هذه المساءلة في فترته الاولى. هذه المره تأسست وزارة برئاسة ايلون مسك بغرض السيطرة على الإنفاق العام و لكن لا احد يعتقد أن هذه مهمه سهله،  من الأسباب انها سوف تلامس مصالح قاعدته الشعبية و التي تحت ضغط مالي. كما ان بعض السياسات غير واضحه مثل الضغط على  دول مؤثرة كثيرة في نفس الوقت بالتعرفة الجمركية بسبب شبح عودة التضخم و الذي كان عامل مهم في فوزه، فمثلا الحد من الهجرة او ترحيل الكثير قد يحفز التضخم. كما ان مطالبته بخفض الفائدة يفقد التأطير الاقتصادي و خاصة في علاقته بالتضخم و/او الدولار. كما ان سياسة الطاقة غير واضحه، فالغاز الامريكي بدأ بالانخفاض و هناك محلليين يعتقدون ان النفط الصخري قريب من الذروة، و اخيرا يصعب ان تجمع بين تخفيض الأسعار و رفع الانتاج لان الشركات تقود القطاع. احد التوجهات المهمه و التي بدأت مع فترة ترمب الاولى و استمرت مع بايدن المفارقة المهمه في نمو الاقتصاد الامريكي و لكن دون نمو في التجارة الدولية لامريكا مقابل استمرارها بين الدول الاخرى. فلعل الكثير من الدول حاول تنمية التجارة مع دول اخرى، فمثلا هناك عدة اتفاقيات تجارية بين اوروبا و الصين و لكن دون أي اتفاقية بين الصين و امريكا. حجم تجارة امريكا من GDP 15%، مقابل حوالي 60% للاقتصاد العالمي.   

ماكنيلي جاء في حقبة كانت امريكا في حالة توسعية تغذيها نهضه تصنيعية بدات في الثمانينات من القرن التاسع عشر. ترمب يريد اعادة التصنيع و جذب رؤوس الاموال. يبدوا لي ان الجمع بين التاريخي و الشعبوي و المالي و الاقتصادي و الداخلي في الخارجي في طرح ترمب غير متجانس خاصة لرجل اعتدنا على نزعتة الخطابية الغير محسوبة تراجعه المحسوب احيانا. مركزية امريكا و بعض نزعاتها تجعل ما يقول مهم و حتى خطير و لكن الاغلب انه مزيج بين رجل الاعمال الذي يساوم على كل شي، و واعي بورطة امريكا المالية و تفاعل مع طبقة وسطى خسرت الكثير نظرا لتقدم دول كثيرة، و سياسي شعبوي و حتى نرجسي قد ينكشف سريعا خاصة ان عمره يقارب الثمانين. الأشهر القادمة مهمه لتقييم الثابت و المتغير في الحقبة.

 

 

خاص_الفابيتا