على الرغم من إقرار ساما لـ3 قرارات متتالية بخفض أسعار الفائدة محلياً منذ منتصف سبتمبر 2024 حتى نهاية العام بـ 100 نقطة أساس، فإن أسعار الإقراض بين البنوك (سايبور) لم تنخفض بنفس الوتيرة، بحيث لم تنخفض إلا بنصف تلك النقاط، لتحتفظ في الوقت ذاته بأكثر من 82 % من حجم الارتفاع الذي طرأ على أسعار الفائدة منذ بدأت الصعود في مطلع 2022، يعود ذلك لعديد من الأسباب المتعلقة بحجم السيولة المحلية والضغوط الطبيعية المعتاد تولدها وسط أجواء تسارع ارتفاع أسعار الفائدة، مقابل تسارع الطلب في الاقتصاد على الائتمان لتمويل مختلف متطلباته المعتادة، وهو ما أظهره تسارع معدلات نمو الائتمان عموما والخاص على وجه الخصوص بأكثر من نمو الودائع البنكية (حتى نهاية نوفمبر 2024: سجل النمو السنوي لإجمالي الائتمان المحلي 13.2 %، نمو الائتمان للقطاع الحكومي 14.8 %، نمو الائتمان للقطاع الخاص 12.7 %، مقابل نمو الودائع البنكية للفترة نفسها بـ 10.5%)، وشهدت عديد من الأسواق المحلية (الأسهم، العقار) تباطؤ مستويات السيولة فيها أغلب فترات النصف الثاني من العام الماضي، ولا تزال تلك الضغوط سائدة المفعول حتى تاريخه، وتخضع الآن تحت عين السياستين المالية والنقدية للتخفيف منها والعمل على الخروج منها خلال الأجل القصير، وهو ما بدأت فعلاً وزارة المالية بوضعه على رأس منهجيتها في مجال تمويل احتياجاتها المالية خلال العام المالي الجاري، ويقف معها البنك السعودي المركزي جنباً إلى جنب في هذا الاتجاه.
إدراكاً من المالية العامّة لتلك التحديات على ذلك المستوى، فقد أقرّت ضمن خطة تمويلها لحاجتها من الائتمان خلال العام الجاري، بألا يتجاوز حجم اعتمادها على السيولة المحلية سقف 25% من إجمالي احتياجاتها التمويلية (35 مليار ريال فقط)، مقارنةً بنسبة اعتمادها خلال العام الماضي التي وصلت إلى 69 % من إجمالي التمويل الذي حصلت عليه (168 مليار ريال)، وهي المنهجية الموضوعية التي أدركت حجم تلك الضغوط محلياً، وسعت إلى عدم مزاحمة القطاع الخاص وبقية قطاعات الاقتصاد المحلي على الائتمان المحلي، ومستفيدة في الوقت ذاته التصنيف الائتماني المرتفع للمملكة خارجيا، إضافة إلى هذه الخطوة الإيجابية من شأنها أن تسهم في تعزيز مستويات السيولة المحلية في الأجلين المتوسط والطويل 2025 - 2026، وبما سيسهم في تخفيف الضغوط على القطاع التمويلي المحلي، ويمكنه من تلبية احتياجات القطاع الخاص والمجتمع من الائتمان (السيولة) اللازمة لتمويل متطلباته المختلفة الأغراض بشكلٍ عامٍ، وذات الأهمية القصوى لضخ الأموال في مختلف قنوات الاقتصاد المحلي وتعزيز مستويات الطلب المحلي على السلع والمنتجات والخدمات في الاقتصاد الوطني.
يمتلك الاقتصاد السعودي كثير من الخيارات التي توفر له مجالا واسعا لتجاوز مثل تلك التحديات قصيرة ومتوسطة الأجل، وهذا على عكس كثير من البلدان حول العالم، إضافةً إلى امتلاكه كثير من نقاط الجذب دوليا وإقليميا على مختلف المستويات، حيث يشهد الاقتصاد السعودي كثير من تنفيذ المشاريع التنموية العملاقة، ويتأهب لكثير من المناسبات الدولية العملاقة، التي تجتذب بدورها كثيرا من اهتمامات المستثمرين المحليين ومن خارج الحدود، وكل هذا من شأنه أن يسهم في تلاشي التحديات قصيرة الأجل، وتحولها بمشيئة الله تعالى إلى فرصٍ استثمارية واعدة في الأجلين المتوسط والطويل، وأن تنعكس آثاره الإيجابية على بيئة الأعمال ومختلف الأسواق محليا في منظور العامين المقبلين على أقل تقدير، عدا النظرة الإيجابية طويلة الأجل التي تتسارع مستوياتها صعوداً فيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد السعودي خلال أكثر من عقد زمني قادم.
نقلا عن الاقتصادية