ماذا يريد ترمب من منافسي أمريكا؟

08/01/2025 0
محمد العنقري

أيام قليلة تفصل تنصيب الرئيس المنتخب ترمب ليبدأ فترته التي تمتد لأربعة أعوام وهي الولاية الثانية والأخيرة له أي أنه لن يؤسس للاستمرار لمرحلة قادمة ولذلك لن يخسر شيئا بأي صدامات قادمة على الصعيد الداخلي مع من يتوعدهم بالرد على خسارته الانتخابات لصالح الرئيس بايدن وذلك منذ أن بدأ حملته الانتخابية لكن ما يهم العالم ليس سياساته الداخلية أو صداماته مع الديمقراطيين إنما ما ينوي فعله عمليا في الملفات والقضايا الخارجية والتي أعطى ملامح عنها مبكرا بأنها ستكون سياسة كسر عظم مع الحلفاء قبل المنافسين فلم يستثن منهم أحدا، لقد طالب أوروبا صراحة بأن تزيد من شرائها للطاقة من أمريكا لتقليل الفجوة في العجز التجاري الذي هو لصالح أوروبا؛ أي لم يفكر بأن يكون الحل بزيادة صادرات أمريكا أو تنافسيتها وزيادة الإنتاج المحلي، بل فرض ذلك عبر شراء الغاز والنفط وهو بذلك يريد زيادة حصص شركات أمريكا في السوق الأوروبي قسريا وليس من مبدأ المنافسة العادلة وترك الحرية للأسواق.

إضافة إلى تهديده كندا والمكسيك بفرض رسوم عالية على صادراتهما للسوق الأمريكي إذا لم يعالجا بعض الملفات المتعلقة بالهجرة غير الشرعية وهو بذلك يستغل اعتماد هاتين الدولتين بنسبة كبيرة من صادراتهما الخارجية على أمريكا والتي تتعدى 70 في المائة وبالحقيقة هو يريد فعليا تحويل تكاليف محاربة تلك الهجرة إلى تلك الدول رغم أن تحميلهما المسؤولية عن ذلك ليس بالضرورة دقيقا وبالمقابل هو يرمي إلى أن تقوم بعض شركات تلك الدول بفتح مصانع لها في أمريكا لتتجنب فرض الرسوم، فهو يجلب بذلك استثمارات لبلاده أيضا بطريقة سياسة فرض أمر واقع عليهم وليس من خلال طرق تنافسية منطقية، أما الصين فهو يتوعدها بفرض رسوم كبيرة أيضا لحجج مختلفة وذلك أيضا لجلب مصانعها لأمريكا وبذلك يخفض العجز التجاري الضخم معها ولكن تهديده مجموعة بريكس بفرض رسوم بنسبة 100 في المائة في حال خفضوا استخدام الدولار في تجارتهم البينية يعد الأمر والأخطر بين مطالبه، فهو يتدخل في سياسة الدول وعلاقاتها البينية ويفرض بالقوة عملة بلاده التي تنزف من قيمتها سنويا بفعل السياسات النقدية المرنة لأعوام طويلة والتيسير الكمي الهائل بحجمه الذي يعد احد أهم أسباب التضخم عالميا.

أما تعهده بزيادة إنتاج النفط الأمريكي فهو قد لا يكون في صالح أمريكا بالمجمل فإذا كان ينظر لزيادة بالإنتاج ستسمح لهم بحصص أكبر عالميا يفرضها قسريا على أوروبا تحديدا فإن انخفاض الأسعار قد يصل بها لمستويات تفلس معها شركات أمريكية وتتعثر بسداد قروضها وتفقد الشركات المساندة لها في قطاع مقاولات النفط الكثير من الأعمال مما يعني فقدان أعداد كبيرة لوظائفهم وهو ما سيضطره لمناشدة تحالف أوبك + للتدخل كما حدث سابقا عندما انهارت أسعار النفط في بداية جائحة كورونا، كما أن توازن السوق مسألة تعد مهمة جدا لاستدامة الاستثمار في قطاع النفط وإلا سيواجه العالم إشكالية بإمدادات الطاقة مستقبلا إذا تراجعت الأسعار وتوقف الكثير من المنتجين عن زيادة استثماراتهم لرفع الإنتاج، بل سيتسبب ذلك بضرر كبير لنمو الاقتصاد العالمي حيث تلعب استثمارات قطاع الطاقة التقليدية دورا مهما في نمو الاقتصاد العالمي بطرق عديدة مباشرة وغير مباشرة، كما أن انخفاض أسعار النفط سيعني قدرة الصين على تعبئة احتياطياتها الاستراتيجية بأسعار منخفضة، إضافة لانخفاض تكاليف إنتاج سلعها وبذلك ستضمن تفوقها بالتنافسية الدولية في التجارة الخارجية ولن تتمكن أي دولة صناعية في أوروبا وحتى أمريكا من منافستها رغم أنهم عملوا سابقا على تصدير التضخم للصين بطرق مختلفة.

لا يملك الرئيس ترمب عصا سحرية لحل كل مشكلات بلاده أو معالجة التحديات الدولية ولم تعد أمريكا قادرة أن تواجه منافسيها على كل الجبهات، بل حتى وعوده بحلول للملفات الجيوسياسية في حرب روسيا - أوكرانيا أو الشرق الأوسط تحديدا في غزة إذا لم تكن على قاعدة تسمح بحل مستدام فسيكون ذلك مجرد توقف مؤقت لتلك الصراعات ليس أكثر ولكن مطالب ترمب عديدة تشير أيضا لحجم الإشكاليات التي تواجه اقتصاد بلاده من عجز هائل بالميزان التجاري وارتفاع الديون السيادية إلى نحو 120 في المائة من الناتج الإجمالي والتي لا يرى وجود حل لها إلا بالسياسات التي أعلن عنها لكن بالمقابل هل يظن أن المنافسين ليس لديهم مفاتيح قوة وسيكون لهم مطالب من أمريكا موازية، بل قد تكون مكاسبهم أكبر خصوصا الصين التي دائما تخطط لأعوام طويلة وتتحلى بالصبر والحكمة لتصل لأهدافها.

 

 

نقلا عن الجزيرة