آفاق سوق النفط في 2025 .. صعودية بحذر

02/01/2025 0
د. نعمت أبو الصوف

تأثرت أسعار النفط في 2024 بشكل كبير بالطلب الصيني، سياسة "أوبك بلس" الإنتاجية، حركة مخزونات الخام الأمريكية والتوترات الجيوسياسية. وفي نهاية 2024، تم تداول خام برنت وغرب تكساس الوسيط دون المستويات التي شوهدت في النصف الأول من العام.

ما هو التالي لسوق النفط في 2025 ؟

على صعيد الطلب، من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط في عام 2025 في نطاق 1.1 إلى 1.45 مليون برميل يوميا. هذا الرقم أقل من حجم تخفيضات "أوبك بلس"، ما يضغظ على الأتجاه الصعودي، هناك عامل ضغط اخر: العرض من خارج "أوبك بلس" من المتوقع أن يرتفع بشكل مطرد. وبالتالي، يجب أن يتجاوز نمو الطلب التوقعات الحالية لكلي يكون لأسعار النفط الفرصة لارتفاع مستدام.

الصين قدمت دعما كبيرا لأسواق النفط، لكن اقتصادها لم يتمكن من التعافي الكامل بعد الوباء. يعاني اقتصادها من مشكلتين رئيسيتين. أولا، الإنفاق المحلي أقل مما كان عليه قبل الوباء، حيث أسفرت محاولات الحكومة لتعزيز الاستهلاك المحلي عن نتائج متباينة. ثانيا، تزايد التوترات بين الصين والولايات المتحدة التي تعد شريكا تجاريا مهما للغاية لها، والمشاكل الحالية في العلاقات تضر باقتصادها.

لدعم الاقتصاد، أعلنت الحكومة الصينية عن عدد من حزم التحفيز المالي. ومع ذلك، يظل السؤال الرئيسي: هل سيكون هذا التحفيز كافيا لمواجهة الرياح المعاكسة من مناطق أخرى؟ على الرغم من أن ضخ الأموال قد يحفز قطاعي الصناعة والنقل، إلا أن ضعف قطاع العقارات وثقة المستهلك الضعيفة قد تحد من التأثير الكامل لهذه التدابير. يراقب المشاركون في السوق عن كثب مدى استجابة نمو الطلب على النفط لحزم التحفيز.

في الولايات المتحدة، لعبت حركة مخزونات النفط دورا في تحديد معنويات السوق. السحب من المخزون يشير إلى أن الطلب على النفط لا يزال قويا، حتى مع استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي. ولكون الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم، فإن السحب المستمر في الأسابيع الأخيرة أضاف طبقة حاسمة من الدعم للأسعار قبل بداية العام الجديد.

على صعيد العرض، ينصب التركيز على الطاقة الأحتياطية "لأوبك بلس" والإنتاج الفعلي من خارج المجموعة. في هذا الصدد، يشير العديد من المحللين إلى أن أوبك وحدها لديها حوالي 5.4 مليون برميل يوميا من الطاقة الاحتياطية، والتي يمكنها أن تدفع بها إلى السوق عند الحاجة. هناك أيضا النمو السريع للإنتاج من خارج أوبك، وخاصة الولايات المتحدة، غيانا، البرازيل وكندا، كل هذا صحيح بالطبع، ولكن هناك بعض التفاصيل التي لا يبدو أنها تجذب قدرا كبيرا من الاهتمام الذي تستحقه. تتعلق هذه التفاصيل بالطلب والعرض على حد سواء، وتجاهلها قد يعكس الحقائق في السوق.

من ناحية الطلب. نمو الطلب في الصين، على الرغم من أنه أضعف من الطفرة التي شهدها قبل الجائحة، إلا أنه بعيد عن التوقف نهائيا. سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتسرب هذه الحقيقة إلى السوق. زعمت العديد من التقارير أن نمو الطلب على النفط في الصين بلغ ذروته في عام 2023، حيث انخفض منذ ذلك الحين بسبب المركبات الكهربائية، شاحنات الغاز المسال والمركبات التي تعمل بالوقود الهيدروجيني. لكن، ينبغي أخذ مثل هذه التوقعات بحذر شديد. فقد توقعت وكالة الطاقة الدولية منذ سنوات أن الطلب على الفحم بلغ ذروته، مع ذلك الطلب في عام 2024 سجل رقما قياسيا جديدا.

من ناحية العرض، من المعروف أن أوبك لديها احتياطي قوي من الطاقة الاحتياطية. لكن، الكثير من المحللين يتجاهون حقيقة مفادها أن الأمر متروك لأوبك لاستخدام هذا الاحتياطي إذا قررت أنه سيكون مفيدا لاستقرار السوق. وبعبارة أخرى، لن تستغل أوبك طاقتها الاحتياطية إلا عندما ترى أن السوق بحاجة لها.

ثم هناك المنتجون من خارج أوبك الذين يروج لهم باعتبارهم الدول التي تعمل على تقليص نفوذ أوبك على أسواق النفط العالمية. بالفعل، شهدت الولايات المتحدة، غيانا وكندا نموا قويا في الإنتاج في السنوات الأخيرة. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن إنتاج النفط في هذه البلدان الثلاثة يقع في أيدي شركات خاصة وليست مملوكة للدولة. وهذا يعني أن قرارات الإنتاج تتخذ على أساس ظروف السوق وليس طموحات الحكومة.

وفي النهاية، هناك دائما الأحداث الجيوسياسية التي يجب مراعاتها. كان عام 2024 مليئا بالتطورات الجيوسياسية، والتي قدمت في بعض الأحيان دعما قصير الأجل لأسواق النفط. حيث كانت الأسواق قلقة من احتمال تضرر إمدادات النفط في الشرق الأوسط أو انخفاض صادرات النفط الروسية نتيجة للعقوبات. ومع ذلك، استمر تدفق النفط، وانخفضت العلاوة الجيوسياسية.

سوق النفط يدخل 2025 بنبرة صعودية حذرة. عمليات سحب المخزونات الأمريكية، تدابير التحفيز الصينية، والطلب الهندي المرن توفر زخما صعوديا. مع ذلك، فإن خطر العرض المفرط، إلى جانب عدم اليقين الجيوسياسي، يخفف من حدة التوقعات. ورغم أن الأسعار قد تتماسك حول المستويات الحالية، فإن إمكانية الارتفاع في الأمد القريب تظل قائمة إذا تجاوز الطلب توقعات العرض وتصاعدت التوترات الجيوسياسية. وعلى العكس من ذلك، فإن أي علامات على ضعف الطلب أو زيادة الإنتاج قد تعكس المكاسب بسرعة.

 

 

نقلا عن الاقتصادية